+A
A-

استفزازت ترامب لـ"التنين الأحمر".. زلة دبلوماسية أم بداية جديدة؟

قبل أكثر من 6 أسابيع على تنصيبه، وفى الرئيس المنتخب دونالد ترامب بالفعل بوعده، بجعل السياسة الخارجية للولايات المتحدة أقل قابلية للتنبؤ بها لإرباك "خصوم أمريكا"، وكذلك أصدقائها.

وفي غضون أسبوع، انتقد ترامب الصين بشأن العملة والتجارة والسياسة العسكرية، في رسائل سياسية لا تتجاوز 140 حرفًا، هو عدد كلمات تغريدة "تويتر" بعد أن تلقى اتصالًا هاتفيا من رئيسة تايوان، تساي إينج وين، في إجراء غير مسبوق منذ عقود.

والمكالمة التي استمرت 10 دقائق هي الأولى التي يقوم بها رئيس للولايات المتحدة منذ عام 1979، عندما تبنت واشنطن لأول مرة سياسة "الصين الواحدة"، التي بموجبها تعتبر بكين أقاليم تايوان وهونج كونج وماكاو جزءا من أراضيها.

غير أن هذا النهج يقلب رأسًا على عقب عمليًا سنوات من السياسة الخارجية، بالنظر إلى أنه عندما يريد الرؤساء الجدد تغيير السياسات، فإنهم عادة ما يحرصوا على التمسك بلغة الدبلوماسية الصارمة والرسمية بشكل متعمد، التي وجدت لتجنب أي سوء فهم، يمكن أن يؤدي إلى عواقب غير مقصودة.

وعن هذا يقول آرون ديفيد ميلر، نائب رئيس المبادرات في مركز ويلسون للأبحاث، بواشنطن، والمستشار السابق في وزارة الخارجية إن الرئيس المنتخب يظهر "انصرافًا كبيرًا للغاية" عن الممارسة التقليدية، وما يظهر أنه سياسة ترامب الخارجية الناشئة، يتضمن الكثير من الغموض، عندما يتعلق الأمر بالمعالجة.

وبعد أن استهزأ ترامب بما يقرب من 4 عقود من البروتوكول الدبلوماسي عن طريق التحدث مباشرة مع زعيمة تايوان، التي تعتبرها بكين إقليمًا مارقًا، اشتكت الصين إلى الولايات المتحدة، وحثت السلطات على التمسك بما يسمى بمبدأ "الصين الواحدة"، وتناول القضايا المتعلقة بالجزيرة التي تتمتع بالحكم الذاتي "بفطنة"، وهذا الرد المعتدل نسبيًا يشير إلى أن "التنين الأحمر" يريد تجنب تصعيد الواقعة إلى أزمة شاملة.

ويرى خبراء استراتيجيون أن المكالمة مع تساي تحمل رسائل مختلطة، وربما تكون تحولًا محسوبًا في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، أو لعبة جيوسياسية، أو مجرد خطأ مبتدئ أدى إلى زلة دبلوماسية.

يقول أشلي تاونسند، الباحث في جامعة سيدني، إن "فريق ترامب لشؤون آسيا متشدد على نطاق واسع تجاه الصين، ويؤيد الدفاع عن تايوان الديمقراطية على أسس أيديولوجية، وبالتالي فإن المكالمة يمكن أن تكون إشارة متعمدة على تحول في السياسة التي تلوح في الأفق".

بينما يعتقد آخرون أن المكالمة الهاتفية ربما تكون خطوة متعمدة في لعبة الجغرافيا السياسية، حيث يقول إدواردو آرارال، نائب عميد قسم الأبحاث والأستاذ المساعد في "جامعة سنغافورة" الوطنية: "ربما يفهم الأمر كجزء من لعبة الإشارات -رصاصة تحذيرية- حول أسلوب تعامل ترامب مع الصين، التي يقول لها إنه سيلعب بخشونة وهذه مناورة يمكن للمفاوضين التنبؤ بها، أن تقول للطرف الآخر أنك مفاوض صعب".

وربما أيضا تلقى ترامب ببساطة الاتصال بناء على توصيات مستشاريه، دون تقدير كامل للعواقب الدبلوماسية، حيث قال كيليان كونواي، كبير مستشاري الرئيس المنتخب إن ترامب يتم اطلاعه بشكل روتيني من قبل "مصادر موثوقة" على الاستخبارات الدولية، وكان "على علم تام بسياسة صين واحدة".

ولكن مهما كانت الأسباب، الرسائل المختلطة وراء هذه المكالمة بالتأكيد سيكون لها عواقب ضخمة على سياسة الولايات المتحدة في آسيا، ربما تضع الولايات المتحدة والصين على مسار صدام دبلوماسي، وتتخذ العلاقات الأمريكية الصينية منعطفًا نحو الأسوأ.

وكانت الولايات المتحدة قطعت العلاقات الدبلوماسية مع تايوان، واعترفت رسميا بالحكومة الشيوعية في بكين في العام 1979، ومع ذلك، فقد حافظت على علاقة وثيقة مع الجزيرة التي تحكم ديمقراطيا.

وعلى الرغم من أن تعليقات ترامب ليست الأولى حول السياسة الاقتصادية للصين، لكن اللغة العدوانية التي استخدمها القائد المستقبلي للاقتصاد رقم 1 في العالم، كانت مفاجئة، حيث يقول إيان بريمر، رئيس استشارات المخاطر السياسية لدى مجموعة أوراسيا ومقرها نيويورك: "الأمر تقريبا كما لو كان ترامب يسعى لضرب علاقات الصين بشدة قدر الإمكان ".

لكن أشد ما يقلق بعض المنتقدين هو أن ترامب، ربما يتخذ القرارات على عجل أو دون التفكير في عواقب أوسع نطاقًا لقرارات مثل تلقي مكالمة من زعيمة تايوان.

ومن الواضح أن ترامب يفعل كل هذا أيضا بدون مرشح لمنصب وزير الخارجية يقدم المشورة له أو يفسر أسلوب تفكيره إلى الحكومات الأجنبية والمستشارين وراء الكواليس، مع استمرار انقسام أقرب مستشاريه حول أبرز المرشحين حاكم ماساتشوستس السابق ميت رومني، والجنرال المتقاعد ديفيد بترايوس، وظهور أسماء أخرى، مثل حاكم ولاية يوتا السابق جون هانتسمان، الجمهوري الذي شغل منصب مبعوث الرئيس باراك أوباما إلى الصين.

ويقول بعض الخبراء إن استراتيجية ترامب تعكس استراتيجية الرئيس ريتشارد نيكسون وهنري كيسنجر، الذي شغل منصب مستشاره للأمن القومي، ثم وزيرا للخارجية، سعى الثنائي لاستغلال الشؤون العالمية عن طريق إبقاء الزعماء الآخرين يخمنون حول نوايا نيكسون.

وعلى الرغم من ذلك، يظهر أن ترامب أكثر استعداد لطرح عقود من تجارة الجمهوريين وسياستهم الدبلوماسية، وتجاهل السياسة التي وضعها الرئيس الجمهوري ريتشارد نيكسون بعد زيارته التاريخية لبكين عام 1972، والتي أصبحت بالفعل أيديولوجية يتبناها كلا الحزبين الجمهوري والديقراطي لمدة 44 عاما.

يقول نيكولاس إيبرشتات رئيس قسم الاقتصاد السياسي في "معهد أمريكان إنتربرايز"، إن "نيكسون تلاعب بفكرة أنه يمكن ان يؤثر على العلاقات الدولية بنظرية الرجل المجنون، من خلال إقناع القادة في الخارج بأنه لا يمكن التنبؤ به وغير عقلاني"، مضيفا: "دونالد ترامب في وضع أفضل كثيرًا للاستفادة من نظرية الرجل المجنون مما كان عليه نيكسون".

وبعيدا عن التعليقات الدبلوماسية للخارجية الصينية، يبقى أن نرى كيف سيكون رد فعل بكين مستقبلا، فمن الواضح أن الصين أمامها 4 خيارات للرد تتضمن: التجاهل، التدرج في ردها، أن تقول لترامب إنها مستعدة للجلوس والتحدث، أو تلعب لعبة العين بالعين.

وفي النهاية، فإن نهج ترامب لم يكن مفاجئا إلى حد كبير، حيث يخطط الرئيس المنتخب لبدء عملية إعادة تشكيل السياسة التجارية منذ اليوم الأول لإدارته، واستهداف الصين، وفقا لتسريبات مسودة مذكرة أعدها فريقه الانتقالي، أشارت إلى أنه بحلول اليوم المائة، سيواصل إعادة التفاوض على اتفاق أمريكا الشمالية للتجارة الحرة (نافتا)، وتضييق الخناق على الصين من خلال رؤية ما إذا كان يمكن وصفها بأنها تتلاعب بالعملة ومن خلال المفاوضات التجارية الثنائية، كما أنه سيدخل أيضًا المجتمع الاستخباراتي في التجارة العالمية.

وإذا لم ينجح ترامب في توفير الملايين من فرص العمل، التي وعد بها في حملته الانتخابية، ربما يصعد تهديده بفرض تعريفة جمركية بنسبة 45٪ على البضائع الصينية، مما يهدد باندلاع حرب تجارية شاملة بين اقتصادين من الوزن الثقيل.