لم تعد الأدوار التي تنهض بها المجالس الأهلية الشعبية المنتشرة في كل الأحياء من وطننا كما كانت قبيل عقود مجرد لقاءات إخوانية عابرة، فاليوم تضطلع بمهام ثقافية واجتماعية ووطنية وتسهم في بعض الأوقات في إثراء الحركة الفكرية والأدبيّة، أصبحت منتديات للثقافة والفكر. قد يبدو للبعض أنّ هذه الأدوار من صميم واختصاص الأندية الأدبيّة والمؤسسات الثقافية، لكنّ الواقع أنّ تنظيم المجالس للبرامج الاجتماعية والثقافية امتداد لما تمارسه الأندية والجمعيات والمؤسسات الثقافية والاجتماعية من أنشطة وأنّ الأدوار بينها تكامليّة. من هنا جاء اجتماع 200 شخص من أصحاب وروّاد المجالس الأهلية من المحافظات الأربع تحت شعار “في حبّ الوطن” ليجسد مبادرة رائعة لتوحيد الكلمة بين المجالس، ودعما للوحدة الوطنية وتعزيزا للتعاون والتلاحم، وفي الوقت ذاته يشكل تعريفا للأجيال الجديدة بالتقاليد الشعبية والوطنية. إنّ المجالس الأهلية - كما عبّر أيوب المناعيّ صاحب فكرة اللقاء الذي استضاف روّاد المجالس - تميزت بنقلة نوعية وكرست التوجه الديمقراطيّ للحياة الاجتماعية في البحرين وجسدت التلاحم والتواصل والتعاون فيما بينها لترسيخ العادات التي توارثناها من الأجداد وبدورنا ننقلها للأبناء والأجيال الواعدة ومن خلالها نجسد ثقافة المواطنة. إنها ثمرة المشروع الإصلاحيّ لجلالة الملك المفدى.
ليس الهدف الذي يرمي إليه الملتقى تجمّع الرواد فحسب، بل انّ ما يبتغيه ويسعى اليه ان تنبثق من خلاله الأفكار والمبادرات الإنسانية الخيرة. واستجابة كل هذا العدد الذي فاق التوقعات للمبادرة كانت مفاجأة، وهذا بالتأكيد ما سيدفع الرجل مستقبلا إلى إعادة الفكرة بحيث يضم اللقاء القادم عددا أكبر للخروج بمبادرات مشتركة لتعزيز دور المجالس الأهلية نحو تأدية واجباتها الاجتماعية والوطنية.
الملاحظ لمن يرتادون المجالس الأهلية الأسبوعية أو اليومية منذ زمن بعيد أنّها تحولت الى أشبه بالمدارس التي تؤدي أدوارا تربوية وتعليمية وتثقيفية على كل الأصعدة التاريخية والاقتصادية والدينية والأخلاقية. ومن هنا فلا غرو أن يحرص الكثيرون على حضورها وتصبح بالنسبة اليهم عادة دائمة. إنّ المثير للإعجاب أنّ بين اصحاب المجالس من كرّس طاقته وجهده لنشر الوعي عبر استضافة المفكرين والمثقفين والأخصائيين في كل الحقول الاجتماعية والصحية وغيرها. وبهذا فإنّ المجالس شهدت تحوّلات نوعية في أداء مهماتها الجديدة، بيد أنها لم تتخلّ عن إحياء دورها التقليدي كمناقشة المشاكل الاجتماعية ومحاولة تجسير الفجوات بين المتخاصمين. الملفت أنّ المترددين على المجالس الأهلية لا ينتمون الى فئة بذاتها ككبار السن وحدهم، بل تشهد حضورا من كل الفئات والشرائح الاجتماعية وحتى الناشئة، والهدف بالطبع لتترسخ فيهم قيم المجتمع من جهة وليكتسبوا من حكمة الآباء والأجداد بما يملكون من خبرة وعادات وأخلاق.