جاء المشروع الإصلاحي الوطني لجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد لتدشين مرحلة سياسية جديدة ونوعية في مسيرة العمل السياسي البحريني، بدءًا من ميثاق العمل الوطني والقوانين المنظمة للعمل السياسي المتمثلة في “قانون مباشرة الحقوق السياسية” و”قانون الجمعيات السياسية” الذي احتوى مجموعة من الأحكام والشروط والآليات التي حددت إنشاء الجمعيات السياسية، ووضعت أهدافها وبينت الأنشطة والأعمال التي يحظر عليها القيام بها، ومن ضمنها العقوبات التي تفرض عليها في حالة مخالفتها الدستور أو القانون والتي تصل إلى إيقاف نشاط الجمعية بصفة مؤقتة أو حلها وتصفية أموالها. كما جاء في المادة (23) من قانون الجمعيات السياسية. وأول مهمة لأية جمعية سياسية في البحرين مشاركتها في العمل السياسي الذي يُحقق التقدم السياسي والاجتماعي والاقتصادي وبما يتوافق مع قوانين البلاد ودستورها، كما يكون من ضمن منهجها تعميم الثقافة السياسية الوطنية في إطار من الإجماع الوطني والسلام الاجتماعي، وأن لا تتعارض ممارستها مع مبادئ الشريعة الإسلامية والثوابت الوطنية التي يقوم عليها نظام الحُكم في مملكة البحرين وخصوصا الممارسات المذهبية الطائفية، وعدم الارتباط التنظيمي لأية جمعية بأية جهة غير بحرينية أو توجيه نشاط الجمعية بناء على أوامر أو توجيهات من أية دولة أجنبية أو جهة خارجية. فماذا نفذت جمعية الوفاق مما جاء به قانون الجمعيات السياسية؟
وجمعية الوفاق هي من أولى الجمعيات السياسية التي نشأت ووافقت على ممارسة العمل السياسي وفقًا لما جاء به ميثاق العمل الوطني ودستور مملكة البحرين 2002م، ولكن هل التزمت بذلك؟ فقراءتنا لقانون الجمعيات السياسية بمواده الـ 29 نلاحظ أن جميع ممارسات جمعية الوفاق وإدارتها ومنذُ نشأتها هي مجموعة من الانتهاكات السياسية وهي خطيئة سياسية لا تغتفر. لذا جاء تنفيذ القرار بحل الجمعية وتصفية أموالها بعد أن خنقت هذه الجمعية بممارساتها مناخ البحرين الديمقراطي ولم تلتزم بالضوابط السياسية التي آمنت بها أثناء إنشاء جمعيتها، وبعد أن رفضت تنقيح مسيرتها السياسية وواصلت العمل السياسي بالاتجاه الخطأ، فكان على الدولة أن تلجم هذا الاتجاه وأن يأخذ القانون مجراه الطبيعي، فكانت المادة (23) من قانون الجمعيات السياسية هي الفيصل في هذا الأمر حيث نصت على (يجوز لوزير العدل أن يطلب من المحكمة الكبرى الحكم بحل الجمعية وتصفية أموالها وتحديد الجهة التي تؤول إليها هذه الأموال، وذلك إذا ارتكبت مخالفة جسيمة لأحكام دستور المملكة أو هذا القانون أو أي قانون آخر من قوانينها).
إن هذه الجمعية وغيرها من الجمعيات السياسية لم تستفد أبدًا من مساحات الحرية السياسية التي وفرها لها ميثاق العمل الوطني ودستور البلاد، بقدر ما استغلت هذه الحرية في تحقيق أجنداتها السياسية، هذه الأجندات التي أدت إلى زعزعة أمن البلاد واستقرارها، وتمزيق وحدة البحرين الوطنية، وتصنيف المواطنين بحسب مذاهبهم وأديانهم، وأفسدت اللحمة الوطنية وتماسكها. وقد اعتبرت جمعية الوفاق ومثيلاتها أن كل ما تحقق من المكاسب والإنجازات الديمقراطية والحريات في البحرين مجرد وهَم سياسي!! ونقول للوفاق.. لولا هذه الحريات والمكتسبات لما تأسست جمعيتكم، لولا هذه الحريات لما استطاع أحد من أعضائكم أن يترشح لانتخابات البرلمان، ولولا هذه المكتسبات الديمقراطية لما نال مرشحوكم للمجالس البلدية عضويتهم على مدى (12) عامًا؟
على مدى سنوات الإصلاح السياسي لم تستطع جمعية الوفاق أن تسير وفقًا للعمل السياسي الذي تمناه المشروع الإصلاحي، ظنًا منها بأنه يحق لها أن تكون مشاركة مع الحكومة في الحُكم وفي جميع مؤسساتها، وذلك بدعم وتأييد خارجي، ومن مؤسسات حقوقية دولية تدعي أنها حاملة لراية مبادئ حقوق الإنسان، ومن دول تدعي أنها متقدمة في العمل الديمقراطي والحقوقي، هذا الدعم المُتعدد الأوجه جعل من جمعية الوفاق في حالة من الاعتقاد بأنها قادرة على تحقيق ما تعمل من أجله، ووفقًا لذلك فقد مارست ما أرادت واجتهدت بشكل كبير في تحقيق الضرر بالبحرين واستقرارها وفي تشويش صورتها بالخارج. ولتحقيق ما تحلم به هذه الجمعية لم تكن ممارستها السياسية نزيهة وشفافة. إن ما يفعله الأجانب من إيرانيين وبريطانيين وأميركيين ومنظمات حقوقية أجنبية ضد بلادنا لم يسهم في التعمير بل في التدمير، التدمير الذي ساهم في خلق الاضطرابات وزعزعة الاستقرار، فديدن هؤلاء التفريق بين الشعب وقيادته، وبين المواطنين أنفسهم.
إن قرار المحكمة بالإغلاق لم يكن ضد الوفاق فحسب وإنما هي رسالة لجميع الجمعيات التي تسير في فلكها، وهي، بأن العمل السياسي في الجمعيات السياسية في مملكة البحرين مرهون وفقًا للنظام والقانون، وأن تكون هذه الجمعيات شريكة للقيادة السياسية الشرعية في مشروعها الإصلاحي، وأن تكون يدًا مساعدة للبناء والنماء. فلا يمكن الجمع بين الاستقرار والسلام وبين التشويش والاضطراب، ولا يمكن الجمع بين المودة والتسامح وبين الطائفية المقيتة، ولا بين التفرقة والوحدة الوطنية. وأن هذا القرار الذي أصدرته المحكمة البحرينية نال تقدير جميع الناس، وبهذه الجمعيات أو بدونها فإن مملكة البحرين وشعبها المتسامح والمُحب لأرضه وبلاده ستستمر في مسيرتها، ولن تتأخر في تقدمها وتطورها لتضعها في المكانة المرموقة من بين الأمم.
ولا خيار ثالث بين البحرين والجمعيات السياسية، فإما أن نكون مع البحرين بلادنا وعزنا أو أن نكون مع تلك الجمعيات، وأنا وجميع الشعب البحريني المُحب لبلاده وقيادته قد اخترنا البحرين، فالبحرين هي اختيارنا الأول والأخير، ومَن أراد بها السوء لابد أن يطاله القانون بالحزم والردع. حفظ الله البحرين وقيادتها وشعبها من كل سوء. آمين يا رب العالمين.