العدد 2785
الإثنين 30 مايو 2016
banner
تحرير أم تدمير؟
الإثنين 30 مايو 2016


ما يجري في العراق (بوابة الوطن العربي الشرقية التي انفتحت أخيرا) لا يمكن القول إنه عملية تحرير تقوم بها القوات العراقية ضد ما يسمى “تنظيم الدولة الإسلامية” لأن عمليات تحرير الأرض المحتلة في أي وقت ومكان تكون عملية وطنية شاملة جامعة، عملية يتم من خلالها وبها استنفار جميع مكونات الشعب ليكونوا على قلب رجل واحد وأصحاب مهمة وطنية واحدة رافعين شعارا واحدا لا يحيدون عنه حتى يُحَرِّرُوا وطنهم من الاحتلال، فهل هذا ما يجري في عراق اليوم؟ لا نرى ذلك.
قرى وبلدات عديدة تم في الشهور الأخيرة طرد قوات تنظيم الدولة منها ولكن لم يتم تحريرها، فالتحرير يعني عودة الأوضاع إلى وضعها الطبيعي وعودة اصحاب الأرض إلى أرضهم، اما ما حدث ويحدث فهو على العكس من ذلك، هو طرد الكثيرين من أرضهم ومنعهم من العودة إليها، وهو هدم المستشفيات والمساجد والمدارس لتفريق تلك القرى والبلدات من بنيتها التحتية وجعلها غير مناسبة للعيش، وأخيرا هي سرقة لهوية تلك البلدات والقرى كما يريد أكراد سوريا في العملية التي تجري حاليا لتحرير الفلوجة.
لذلك نقول إنها ليست عملية تحرير بقدر ما هي عملية تدمير لكل شيء وكأنها عملية انتقام يقوم بها البعض بحق مواطنيهم المشتركين معهم في الوطن الواحد، انتقام طائفي وعرقي بحق عرب العراق من قبل الفرس والترك وهما الفئتان اللتان تملكان السيطرة على الأرض حاليا ليس لقوة فيهما بل لضعف في الطرف الآخر، وهو ليس ضعفا في الذات ولكنه بسبب خارجي لا يد للذات فيه.
الغريب في الأمر هو الصمت المطبق الذي عليه الجميع حيال ما يجري في العراق بيد الفرس بحق العرب، ولا نسمع أصواتا مناهضة لذلك من الجهات الرسمية العربية غير صوت السعودية التي لا يمكن ان تقوم بالدور وحدها امام الاحتلال المتنوع الذي عليه العراق ومعها أصوات شعبية هنا وهناك ولكنها أصوات غير منتجة على الأرض.
بدون أي خجل تصمت الحكومة العراقية عن الدور الفارسي في الموصل والفلوجة وما تقوم به القوات المحتلة هناك، بل ربما هي تبارك هذا الدور لأنها لم تجد من يلومها على ذلك أو ربما لأنها لا تملك القوة والإرادة لمنع ذلك.
عرب العراق وعرب سوريا أضحوا وحيدين يواجهون قوات عديدة تحتل أرضهم بلا سلاح في أيديهم، بل تحت حصار شامل تم فرضه عليهم لمنع أي نوع من السلاح يمكن ان يصل إليهم، وبلا موقف عربي واحد ضد ما يحدث لهم، فالعالم يقف ضدهم تحت إرادة أميركية تريد ذلك وتعمل عليه لتفريغ الأرض من أهلها وتمزيق الوطن الواحد سواء العراق أو سوريا لا يهم، المهم ان يتمزق الوطن الواحد ويظل عدو الأمة موحدا قويا يفرض إرادته على الجميع ولا يرد له أمر أو طلب.
كيف يمكن قبول أن تقود فارس ما يطلق عليه تحرير الفلوجة من تنظيم الدولة الإسلامية؟ من الذي يشارك في عملية التحرير، هل هي قوات وطنية عراقية ام مليشيات مختلفة تهيمن على القرار في تلك الحرب وتأتمر بأوامر قاسم سليماني ومن معه؟ وكيف يكون هذا التحرير إن كان مصحوبا بعمليات ذبح للبشر تقوم بها تلك المليشيات في عودة منها لمئات السنين من الماضي.
هذا ليس تحريرا بل تدميرا للأرض، وهو ليس تحريرا بل قتلا للبشر، إنه احتلال حقيقي للعراق أو تكريس لذلك الاحتلال الذي بدأ عام 2003 على يد اميركا وفارس.
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية