العدد 2772
الثلاثاء 17 مايو 2016
banner
هل دخلنا خريف الصحافة البحرينية..؟!
الثلاثاء 17 مايو 2016

في دبي حضرت كل الصحافة العربية الاحتفال الكبير بتوزيع (جوائز الصحافة العربية)، وغابت الصحافة البحرينية..!
في دبي قبل أيام، وتحديدا يوم الأربعاء 11 مايو 2016، تواجدت جُل مؤسسات الصحافة العربية بصحفها وروادها ومواقعها الإلكترونية وكتابها وإعلامييها.. وسجلت الصحافة البحرينية غائبة مع الأسف الشديد..!!
في دبي، وفي احتفال كبير ومرموق أقيم في مركز دبي التجاري العالمي لتكريم كبار الصحفيين والمبدعين والكتاب ورسامي الكاريكاتير وفي مختلف ميادين ومجالات وفئات الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب، التقى كل هؤلاء وصحفهم ومؤسساتهم وتواريخهم وإبداعاتهم، ونادى عليهم مذيع النشرة الداخلية وعريف الحفل أفراداً ومجموعات، ووقف سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم لتكريمهم وتسليمهم جوائزهم العالية الشأن، ووحدها الصحافة البحرينية لم يذكرها أحد ولم يعلن اسمها معلن..! 
أما هنا، فالصمت المريب ـ كالعادة ـ كان سيد الموقف..! لم يتحرك أحد..! لم يتساءل أحد: لماذا..؟! لم يغضب أحد..! لم يحزن أحد..! لم يأسف أحد..! تماماَ كما أنه لم يحضر أحد..! ولم يكرم أحد..!
والسبب طبعا ليس أن هناك مؤامرة كونية عالمية ضد الصحافة البحرينية..! وليس أن حكومة دبي تجاهلت الصحافة البحرينية..! ولا أن (جائزة الصحافة العربية) دخلت في حلف دولي ضد البحرين وصحافتها..! ولا أن (منتدى الإعلام العربي) تنكر للصحفيين والإعلاميين البحرينيين..!
كل ذلك لم يحدث، والذي حدث فعلاً أن مسيرة صحفية عريقة يعود تاريخها إلى العام 1939 وجدت نفسها وعلى حين غرة منا جميعا في العراء، أو في غيابة الجب، ودخلت فصل الخريف مبكراً، بينما تقدمت صحف ومؤسسات إعلامية وكتاب وإعلاميون من مختلف الجنسيات والدول والشعوب صدارة المشهد الإعلامي والصحفي العربي بإبداعاتهم، بفنونهم، بإخلاصهم لمهنتهم، بامتلاكهم أدوات العصر، بعدم إغراق أنفسهم في الخلافات الطائفية والفئوية، بعدم تنكرهم لما بناه الآباء والأجداد والرواد، بعدم تسييس وتطييف وتحزيب كل ما يكتبون ويرسمون ويبدعون ويفكرون، بعدم تفرغهم لجلد ذواتهم وذوات بلدانهم وأوطانهم وشعوبهم وأهاليهم وحكوماتهم وقيادات أوطانهم..!
وأنا لا أقول اليوم إن صحافتنا المحلية تفعل ذلك، ولكن ثمة منها عديدون يفعلون ذلك وأكثر، وثمة منها من جعل من الصحافة مهنة لأجل الوطن ومكتسباته وأهله ورموزه وقياداته، وثمة منهم من يكتب عن البحرين، كافة الحقد والبغضاء بين سطوره، وكأنما يكتب عن دولة عدوة يتمنى زوالها في أقرب فرصة..! وثمة من تخلى عن كل أصول مهنته ذات الرسالة ليوجه رسائل الكراهية والفتنة من الداخل إلى الخارج وبالعكس، وفقط من أجل أجندات حزبية أو طائفية أو سياسية..!
في دبي، حضر رواد وأعلام الصحافة العربية من رعيلها الأول ليس بشخوصهم، فمعظمهم قضى وانتقل إلى الدار الآخرة، ولكنهم حضروا بأبنائهم وتلاميذهم والمؤسسات والأجيال التي أخلصت لهم، وسارت على طرقهم وحملت رسائلهم، فيما كان رواد الصحافة البحرينية ورجالاتها الأوائل يهيمن عليهم الحزن والشعور بالخذلان، وعلى رأسهم عبدالله الزايد، ومحمود المردي، وحسن الجشي، وأحمد محمد يتيم، وطارق المؤيد، وعبدالله المدني، وعبدالله الوزان، وعلي سيار، وتقي البحارنة، وبقية الرواد الأبرار الأحياء منهم والأموات..!
لقد قامت الصحافة والإعلام البحريني على أكتاف العشرات من الرواد ورجالات الرعيل الأول، الذين عرفوا بإخلاصهم للوطن والمهنة، وبذلوا الغالي والنفيس من أجل تعزيز مكانة الصحافة والإعلام البحريني، وخاض الإعلام والصحافة البحرينية غمار مهنة المتاعب، فذاق الكثير الكثير من تعبها، ولكنه حافظ دائماً على ريادته النوعية والوجدانية، وتمسك بوطنيته العالية، وإخلاصه لأرضه ووطنه وشعبه وتراثه وثوابته بمختلف تعدداتها ومسمياتها ومصادرها، وكان دائماً في واجهة الحدث المحلي، وتعرض في بعض مفاصل مسيرته لقوانين معطلة وقرارات حازمة وربما ظالمة وعانى في بعض فتراته من التضييق ومن قلة الموارد وشح الإمكانات، ولكنه بقي متمسكاً بريادته وتقدميته، بقي متمسكاً بوحدته الوطنية، وانتمائه الحقيقي لأسرته الكبيرة ووطنه الحبيب.
وفي عهد جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله، قفز الإعلام البحريني بمختلف فئاته وأنواعه قفزات مشهودة نوعيا وعددياً وفي الأدوات والمقدرات.. وتم تكريم الكثير من الإعلاميين، وتعزيز قطاع الصحافة والنشر والإعلام بالقوانين الضامنة للحريات وعلى رأسها الحريات الإعلامية، وأنشئت العديد من الصحف الجديدة، التي كنا ضمن مؤسسيها في صحيفة العهد الأسبوعية، رحمها الله ورحم رئيسها الأخير حمد منصور بن رجب، ونجحت بعض المشروعات الصحفية والإعلامية، وفشل بعضها وكل ذلك ضمن حراك وطني اقتصادي إعلامي حر،
ولكن فرق كبير بين فشل وانحسار بعض المشروعات، وفشل وانحسار الصحافة نفسها..! فغياب الصحافة البحرينية كاملة عن جوائز الصحافة العربية هو حدث وواقعة تستلزم منا المساءلة والتساؤل وتعليق الجرس؛ لأننا نحب صحافتنا المحلية كلها بلا استثناء، ونغار عليها وعلى سمعتها ومكانتها وأدوارها الوطنية والمهنية. وتستلزم من المسؤولين التحقيق والمساءلة وعلى أعلى المستويات، فتراجع الصحافة في بلد ما هو علامة سلبية بالتأكيد ومؤشر خطير ونقطة حرجة لابد من الوقوف عليها وفحصها ومراجعتها بمنتهى الشفافية والحرص والمصداقية. وهذا ما نأمله من قيادتنا الحكيمة ونتطلع إليه من رجالات ورواد صحافتنا أعادها الله إلى عزها ومجدها وريادتها (وللحديث بقية أكثر تفاؤلاً إن شاء الله).

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .