+A
A-

مجلس الرئيس.. بين الإصلاح والتغيير

بقلم: الدكتور عبدالله الحواج

كان مساراً يحتمل التأويل، يحمل من الصواب مثلما يحمل من الخطأ، هو ذلك الخلط البين – بين الإصلاح والتغيير، هو “بين” لأنه واضح وضوح الشمس، هو كذلك لأن القوى المتربصة بالوطن، والدول المتمنية كل الشر له مازالت تحيك من المؤامرات ما يدفع الأمة بأسرها نحو جدل عقيم مفاده تشويه المقصد من الإصلاح “بخلطة سحرية” مع التغيير، فالأخير – في فقهيات اللغة وأدبيات علم الكلام.. يعني حالاً مختلفاً، ودافعاً جديداً، لكنه – في ذات الوقت لا يضمن إصلاحاً لهذا الواقع ولا يقدم أي دليل على تغييره للأفضل، لذلك فإن الخلط بين القيمتين، “الإصلاحية” بمفهومها القيمي التكميلي والتجميلي والتطويري المتجرد، و”التغييرية” بحالتها التبادلية التسامرية المفرطة، تمتلك من أدوات الإزاحة أكثر من امتلاكها لمثاليات الإصلاح، وتفرض من علامات التعجب والاستفهام أكثر مما تطرحه من أجوبة على قضايا ومفاصل المرحلة.
هذه الهواجس كان يمكن لها أن ترتقي إلى مكانة خاصة جداً لو كان الوقت كافيًا في مجلس رئيس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان حفظه الله ورعاه يوم أمس لكي ينطلق المفهوم في سماوات أكثر إيماناً بالرسالة، وأعمق نضجاً مما أضطررت على طرحه في عجالة أمام سمو الرئيس الوالد ونحن على وشك توديع المجلس المهيب بأفضل مما كنا.
المجلس كان عامراً بالمفكرين والصحافيين والمثقفين، وكان الحشد المحظوظ من الحاضرين يتلقى العديد من الرسائل الموجهه الحية من سمو رئيس الوزراء وكأنها عضد في ساعد، أو قلب في جسد، سموه كان كريمًا كعادته في توشيح الحاضرين بالتقديرات والأدوار، في ترسيمهم بالشرف لأداء المهمات الصعبة وحسن الإنجاز إعلامياً وصحافياً وفكرياً وأخلاقيا أيضاً.
إن الإيمان بحقيقة الأشياء يحتاج دائمًا لقدرة خلاقة لبصيرة متمرسة، ولأن سمو الرئيس القائد يرى أبعد مما هو مطروح على ملفات المراحل المتداخلة، فإنه كان مقدراً ومتوسماً في “شيء ما” حول ما تسقط فيه الدول وهي تسعى إلى الإصلاح.. لكنها في واقع الأمر تمضي إلى حتفها مخطئة ومضللة بضم الميم وفتح اللام، بفعل الفاعل “المجهول أثباته” دائمًا.
إن الاصلاح في ثقافة قيادتنا الحكيمة يعني استقراراً وأمناً وأماناً، يعني التزامًا أخلاقيًا بقواعد دولة ومرتكزات وثوابت وطن، لا يعني بإية حال فوضى وضجيج وشعارات فضفاضة، بقدر ما يعني عملاً دؤوباً وصبراً طويلاً، وجهداً لا يعرف الكلل.
لذلك كان لعلامات الخط الفاصل بين المفهومين إصلاح أم تغيير، الدور الأكثر تأثيراً في جبهات المفكرين المتعارضة، وفي مداولات لياليهم المتطاحنة، بعضهم وللأسف الشديد يسمى حرق المراحل.. ثورة، وبعضهم الآخر يطلق على نسف الثوابت بالتغيير.
أحدهما أو كلاهما في نظر العقلاء من أبناء هذه الأمة يضربون الأمثلة على سوء المنقلب الذي ضلل مصائر بلدان إقليمية متعددة وقضى على الأخضر واليابس فيها، حدث ذلك والشبهات جميعها تحوم حول ما تعرفنا عليه في علوم اللغة وأسميناه “نائب الفاعل”، أي مواقف ومعارك بالوكالة، نعم هو نفسه الذي خلط الحابل بالنابل لكي تسقط هوية الدولة في هاوية التشبث بوصايا الوفادة الزائفة، والتحلي بأجندتها المتقمصة حقوق إنسان آخر، إنها إستسلام مشبوه ومبرمج وعدائي للضمانات التنموية التي يرسخها القادة النبلاء لمواطنيهم الأوفياء، وهي الهرطقة السياسية المجلجلة بدعاوى تغييرية متخاذلة، والله من وراء القصد.