العدد 1155
الثلاثاء 13 ديسمبر 2011
banner
لماذا نتعلم الاحتجاج قبل أن نتعلم فرائض الوضوء؟
الخميس 02 مايو 2024

 لا أدري بالضبط ما هي العلاقة بين عمودي هذا وبين ما كتبه الأستاذ خالص جلبي في جريدة “البلاد” يوم الجمعة الماضي تحت عنوان “شامبليون وخرطوشة كليوباترا”، ولكنني أعترف أن مقاله حول عبقرية شامليون وإصراره وهو صغير السن على فك رموز اللغة المصرية القديمة (الهيروغليفية)، ونجاحه في تحقيق ما فشل فيه غيره من العلماء الكبار على مدى سنوات طويلة، هو الذي حرك عقلي ووجداني لكتابة هذه الكلمات.
لقد وجدتني أسأل نفسي أسئلة كثيرة لا أجد لها إجابة، هذه الأسئلة تعلقت معظمها بالكيفية التي نعتمد عليها في تنشئة أبنائنا، وهي كيفية – حسب فهمي الخاص – لا تؤدي أبدا إلى خلق عباقرة ومبدعين.
نتعلم حب الوطن أولا؟أم نتعلم التمرد على الوطن أولا؟ ما الذي نزرعه في نفوس وعقول أطفالنا في البداية؟ إننا حتى لا نترك البداية للمدرسة، ولكننا نسبق المدرسة بأشياء تجعلها شيئا هامشيا ومشكوك فيه من قبل أن يدخلها صغارنا. فأي قيم وأي انتماء وأي ولاء يمكن للمدرسة أن تزرعه في نفوس الأبناء وهم الذين ينظرون إليها بعين الشك من قبل أن يدخلوها؟ أي علم أو اختراع سيعرف الصغير أهميته ونحن نعطيه سيفا قبل أن نعطيه قلما؟
إن السياسة لدينا تسبق كل شيء، و تغلب كل شيء، وتقتل الابداع والنبوغ في نفوس أبنائنا، لأنه يولد وقد وضع في أزمة نفسية، وشعر بالقلق قبل أن يشعر بالحب والحنان.
ماذا يحدث لو تركنا أبناءنا بدون تشويه نفسي وفكري وتركنا مدرسة الوطن تعلمهم وتنمي فيهم طاقة الابداع وتزرع في نفوسهم الأمان؟هل تقدمت الأمم إلا بالعلم والابداع؟
التنشئة هي الأساس الذي يبنى عليه كل شيء، وما يوضع في عقول وقلوب الصغار يؤثر عليهم طوال عمرهم، ولن يستطيع مقال في جريدة أو أغنية وطنية في التلفزيون أن تخلق انتماءا وولاءا من عدم.
لقد تعلم بابلو بيكاسو الرسم قبل أن يتعلم الكلام، فلماذا يتعلم أبناؤنا السياسة قبل أن يتعلموا فرائض الوضوء؟ ؟ولماذا يتعلمون التظاهر ومعاداة غيرهم قبل أن يتعلموا أركان الإسلام الخمس؟
لا نقول هذا الكلام من منطق التبرير أو بهدف التسكين ومواجهة من يسعى للاصلاح ولكننا نريد أن يتم الإصلاح حسب ما تقتضيه نواميس الكون الذي نعيش فيه، ونريد أن نصبح أمة طبيعية تمارس كل شيء بتوازن وعقلانية.
فليس كل ما يفعله غيرنا يكون مناسبا لنا.
نحن لدينا قصور في أمور معينة، ولدينا عيوب، لا أحد ينكر هذا، لدينا أوجاع معينة ولكن ليس لدينا أمراض مستعصية، و ليس لدينا ما يجعل الثورة أمرا حتميا كغيرنا من الشعوب، فليس لدينا فساد متفش وجوع عام وليس لدينا ظلم اجتماعي كالذي عرفناه عن غيرنا من الشعوب العربية.
لقد عانى المصريون والسوريون واليمنيون والتونسيون من الفقر والظلم وتكميم الأفواه على مدار السنين ما لا يمكن أن نتحمله يوما واحدا. فلماذا نريد هدم ما بنيناه ونحن نستطيع أن نكمل البناء؟ لماذا نريد أن نجري جراحة خطيرة لجسد لا يحتاج إلا لبعض الفيتامينات لكي يستعيد عافيته ويمضي في طريقه؟

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية