العدد 1028
الأحد 07 أغسطس 2011
banner
محاكمة القرن
الأربعاء 01 مايو 2024

محاكمة القرن
مشهد لم يكن يتخيله أحد على الإطلاق، وهو مثول الرئيس المصري حسني مبارك ونجليه علاء وجمال في قفص الاتهام أمام محكمة واحدة في يوم من أيام شهر رمضان.
لقد تخيل أصحاب صناعة السينما في الولايات المتحدة مشاهد تشبه أحداث الحادي عشر من سبتمبر قبل وقوعها، ولكن لم يكن لأحد أن يتخيل المشهد السابق للرئيس المصري ونجليه.
ولو كان قد طلب من جمال مبارك من قبل أحداث 25 يناير أن يجلس في قفص الاتهام لأداء مشهد تمثيلي لأحد الأفلام لما فعل، حتى لو كان هذا المشهد سيحمي مصر من الاحتلال.
إنها محاكمة القرن كما أطلقت عليها الصحف الأجنبية، فلم يشهد القرن الذي نعيش فيه محاكمة على هذا النحو، وبهذه التفاصيل التي رأيناها، وحتى محاكمة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين لم تكن كهذه المحاكمة، لأن محاكمة صدام حسين كانت محاكمة غير وطنية وغير عادلة بالمرة، وحتى تنفيذ حكم الإعدام فيه كان به قدر كبير من الانتقام البعيد عن روح العدالة، وكان مخالفا للقانون نفسه، الذي ينص على ضرورة تصديق رئيس الجمهورية على الحكم قبل تنفيذه، وهو ما لم يحدث.
وربما كان من حسن حظ الرئيس صدام حسين أن يلقى محاكمة غير عادلة تمت تحت توجيه من أعدائه الأميركيين والإيرانيين، فقد رحل مرفوع الرأس مواجها مشنقة الاحتلال بشجاعة منقطعة النظير قائلا باعتزاز:”هاي هي المرجلة.....”.
أما محاكمة الرئيس المصري السابق حسني مبارك ونجليه فهي محاكمة القرن بالفعل لأسباب من بينها أن شعبه هو الذي خلعه من الحكم وليس الاحتلال، ولأن المحكمة التي يحاكم أمامها هي محكمة وطنية بحتة، وأعتقد أن القضاء المصري قضاء نزيه، وأنه في هذه القضية سسيقدم نموذجًا للعدل في هذه الظروف الصعبة التي يريد فيها الشعب المصري أقصى درجات الشدة في الحكم مع الرئيس السابق وبطانته.
هذه المحاكمة وما قبلها من أحداث منذ الخامس والعشرين من يناير الماضي تجعل مصر في المقدمة في كل شيء وتعيد لها مجدها ومكانتها التاريخية التي ضاعت خلال سنوات مضت، فالمصريون أثبتوا جدارتهم في الطريقة التي أسقطوا بها نظام الحكم في بلدهم، وأثبتوا قدرتهم في حماية الأمن في بلدهم عندما خانتهم الشرطة وتحولوا جميعا إلى حراس لمنشآتهم ومصالحهم العامة والخاصة، واليوم يقدمون رئيسهم السابق للمحاكمة الوطنية العادلة دون تنكيل أو ظلم لأحد، رغم كم الفساد الذي فاجأ النخبة المصرية نفسها وفاجأنا معهم بطبيعة الحال، عندما سمعناهم على الشاشات يقولون عبارة تكررت كثيرا، وهي: “كنت أعرف أن هناك فسادًا، ولكنني لم أتخيل أنه بهذه الصورة البشعة...”.
حتى الرئيس المصري نفسه – إذا ما قورن بنظيره الليبي والسوري – يمكن أن تجد له بعض الحسنات لأنه لم يصر على البقاء في الحكم مهما كان الثمن كما فعل الزعيم الليبي الذي أدخل ليبيا في حرب أهلية لا يعلم إلا الله مداها، ومثل الرئيس السوري الذي أمر جيشه بقتل شعبه.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .