+A
A-

هل تتوافر مقومات النجاح للمنتج الوطني؟

ويمكن الاستدلال على الجهود المبذولة لتنمية القطاع الصناعي من خلال الدور الذي تلعبه غرفة صناعة وتجارة البحرين، فهناك العديد من التحديات والأولويات من الركائز للمرحلة المقبلة كما يصف رئيس لجنة الصناعة والطاقة حامد الزياني؛ لأن القطاع الصناعي من أهم القطاعات الاقتصادية المعتمد عليها في تنويع مصادر الدخل تلاقيًا مع الرؤية الإستراتيجية الاقتصادية 2030، ومن أبرز محاورها توفير البنى التحتية ومقومات النجاح من جانب الدولة وفتح المجال أمام القطاع الخاص لمزيد من الفرص الاستثمارية.

وتتجه الغرفة الصناعية نحو وضع الخطط والدفع في اتجاه التركيز على الصناعات التحويلية التي تعطي قيمة مضافة للاقتصاد الوطني من خلال المردود المالي الذي يفوق مردود بيع المواد الخام، إضافة إلى إيجاد آلاف الفرص الوظيفية، وفتح آفاق جديدة أمام المستثمرين البحرينيين من خلال الصناعات التحويلية والاستثمار فيها بدلًا من التوجه نحو قطاعات تشهد فائضًا في السوق المحلية كالقطاع العقاري وغيره من القطاعات ذات التشبع، والتفكير في وضع حلول للتحديات ومنها القوانين والأراضي الصناعية، إضافة إلى الرسوم والضرائب، فالقطاع الصناعي بحاجة مستمرة إلى تطوير قوانين الاستثمار فيه بما يتناسب مع المنافسة التي تشهدها المنطقة في جذب رؤوس الأموال.

ولخبرته الطويلة كونه رجل اقتصاد وبرلمانيا سابقا، يرى رجل الأعمال عثمان الشريف أن "الاهتمام بدعم القطاع الصناعي ينطلق من كونه أساسا لدعم الاقتصاد الوطني في مملكة البحرين، وبالتأكيد هناك حاجة تفرضها المرحلة الحالية والمستقبلية لتحقيق النمو الاقتصادي وتنويع مصادر الدخل واستقطاب الاستثمارات المشتركة البحرينية الأجنبية، لكنني أود التركيز على أن المستثمر، سواء كان بحرينيًا أم أجنبيًا، لن ينظر إلى وضع علامة صنع في البحرين فحسب، ما لم يجد أمامه منظومة من الامتيازات والحوافز الجاذبة والمهيئة للنجاح".

ويوضح أن "وجود امتيازات وتسهيلات هي نقطة الجذب لمزيد من المشروعات الاستثمارية في القطاع الصناعي، أما إذا تحدثنا عن الظروف الاقتصادية التي نمر بها في الوقت الراهن بسبب جائحة كورونا، سنجد أن الكثير من المشروعات تأثرت كثيرًا وبعضها أغلقت أبوابها، وبعضها متعثرة بدرجة كبيرة، وهذه تحتاج إلى دعم وتمويل".

ويلفت إلى أن "التسهيلات التي تمثل أساسًا قويًا للمستثمر، سواء في البنية التحتية أو المصروفات أو توافر الأراضي بإيجارات محفزة، ومصادر الطاقة كالكهرباء والغاز في المناطق الصناعية، لابد من مراعاتها، وكل هذه المرتكزات تمثل المحور الأساس الذي يعتمد عليه المستثمر في القطاع الصناعي أو غيره من القطاعات للنجاح والاستمرارية".

ويدرك رجل الأعمال جلال العالي أن هناك العديد من التحديات كما أشار إليها الكثير من المتخصصين والمستثمرين، ولا نتحدث هنا عن الفترة الصعبة بسبب جائحة كورونا التي أصابت كل القطاعات بانعكاساتها السلبية المؤثرة، لكننا نتحدث - ونحن ننظر إلى القطاع الصناعي أو دعني أسميه "قطاع الإنتاج المتنوع" - عن القدرة على التعامل مع مختلف الظروف وعلى إثبات وجوده في السوق المحلية والإقليمية.

لدينا في مملكة البحرين، كما يرى العالي، توافر المواد الخام بنسبة تقارب 60 % سواء من المشتقات البترولية أو الأجهزة الرسمية المنظمة للعمل بشكل متقدم للغاية، لكن الاتجاه المطلوب مرتبط بالقدرة على إيجاد منتجات تحظى بالطلب في السوق، وحين ننظر إلى قطاعات صناعية عديدة في البحرين سنجدها مغطاة، من المنتجات البترولية إلى الألمنيوم إلى مواد البناء إلى الصناعات التحويلية مرورًا بما تنتجه المصانع الصغيرة والمتوسطة، لهذا يمكن أن ينجح منتج بحريني "مكرر"، أي تنتجه مصانع قائمة، لكنه مطلوب وعليه طلب كبير محليًا وخليجيًا، لهذا لابد من إجراء دراسات الجدوى المتعمقة، فأي مشروع محكم ومدروس من كل النواحي، فإن الدولة هنا ستوفر كل متطلبات نجاحه من الأراضي الصناعية إلى الدعم اللوجستي والتسهيلات والامتيازات، فهذا هدف محوري في رؤية 2030.

انطلاقًا من دور القطاع الصناعي الذي يفرض نفسه مساندا للتنمية الاقتصادية في الدولة، يمكن القول إن القطاع الصناعي دخل مرحلة جديدة بتوجهات الدولة نحو تطوير هذا القطاع وتذليل ما يواجهه من معوقات، وهذا ما طرحه وزير الصناعة والتجارة الأسبق الخبير الاقتصادي حسن فخرو من واقع تجربته، ووضع معالم إستراتيجية خاصة بالتنمية الصناعية انطلاقا من اهتمام الحكومة في المرحلة الحالية للإسراع بدفع القطاع الصناعي إلى الأمام بما يتناسب مع متطلبات المرحلة المقبلة للتنمية الصناعية في البلاد.

كيف ذلك؟ يرى فخرو أن الدفع بالصناعات التحويلية ذات القيمة المضافة العالية، التي تستعمل منتجات الصناعات الأساسية في عمليات الإنتاج، يؤدي في النهاية إلى زيادة في معدلات النمو الاقتصادي، آخذين في الاعتبار ضرورة خلق فرص عمل نوعية في قطاع الصناعة بما يتناسب مع قوانين وسياسات التوظيف في البلاد. فعلى سبيل المثال صناعة الألمنيوم صناعة متقدمة وتنتج حوالي 500 ألف طن سنويا، وسترتفع إلى 750 ألف طن، ووجود الشركات المتفرعة القائمة على هذا الخام كشركات جرامكو وبلكسكو وميدال، وغيرها، يحتم تطوير وتفريع هذه الصناعة، وتأكيد عامل القيمة المضافة ليرتفع الدخل العام، والخاص، من خلال هذه الصناعة ومشتقاتها ورقيها، وبالقدر نفسه يخلق أسواقًا محلية لتصريف هذا المعدن، ليقلل عامل المجازفة والتقلبات الاقتصادية والمخاطر الأخرى، ويخلق بالتالي فرص عمل محلية جديدة متقدمة ومطلوبة، وكذلك الحال بالنسبة إلى الصناعات الأخرى كصناعة البتروكيماويات وصناعة الحديد والصلب وغيرها، فمن أهم ركائز الإستراتيجية الاهتمام بالصناعات الصغيرة والمتوسطة لما لها من أهمية في خلق فرص عمل وكونها كذلك تحظى بقيمة مضافة عالية.

وفق توجهات مملكة البحرين وما احتوته الرؤية الإستراتيجية 2030، فإن ركائز عدة تمكن من التحول نحو تنويع مصادر الدخل، وعلى أعلى قائمتها تأتي مخرجات القطاع التصنيعي، خصوصا مع التحول التكنولوجي واستخدام الذكاء الاصطناعي. ويؤمن حسين نوار، إداري تنفيذي بشركة الحداد للسيارات، أن البحرين تمتلك من الطاقات والقدرات الإبداعية بين أبنائها ما يفتح مجالات واسعة، وكلنا كبحرينيين نشعر بالفخر حين نرى بلادنا في موقع الصدارة والريادة.

ويعبر عن ذلك بالقول "بكل صراحة، أنا مع أي قطاع صناعي يرفع من شأن الصناعة في البحرين؛ لأن ذلك يحقق هوية خاصة ومميزة على مستوى منطقة الشرق الأوسط، وبهذا يمكن أن نرى مع التوسع في مجالات التصنيع على اختلافها، تداول اسم (صنع في البحرين) في جميع أنحاء العالم كبلد صناعي نطمح أن يكون من الدرجة الأولى".

وفي شأن المجالات التي يمكن أن تنجح البحرين في دخولها كصناعة، نحن نرى بالفعل مجالات وقطاعات عديدة تنوعت بين المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، والدولة ماضية في استحداث التشريعات والأنظمة التي تتفق مع الرؤية الإستراتيجية، والتحول نحو الصناعة المتقدمة، خصوصًا على مستوى التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.

تتجلى توجهات القطاع الصناعي، ليس على مستوى البحرين فحسب، بل على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي، في إيجاد مسارات لاقتصاد صناعي متنوع، وقد طرح "منتدى البحرين الاقتصادي" على مدى سنوات موضوعات تتعلق بتبني تنويع القاعدة الاقتصادية. ويرى الخبير الاقتصادي إحسان بوحليقة أن من الضرورة بمكان التفكير في تنويع الصناعات بمنأى عن التحولات والتقلبات في السوق العالمية للغاز والنفط على المدى الطويل، إلى جانب إيجاد فرص عمل للمواطنين في القطاع الصناعي، وتوفير مزيد من المعرفة والتحضير لعملية الانتقال إلى اقتصاد ما بعد النفط والغاز.

ومن المتطلبات الجوهرية كما يرى بوحليقة، أو التحدي الحقيقي كما يصفه، هو إعادة هيكلة القطاع الصناعي، والهدف من ذلك تحسين وتطوير هذا القطاع لزيادة مساهمته بالدخل الوطني للاقتصاد، ويتطلب ذلك الاتجاه للصناعات للصناعات المعرفية المرتكزة على البحث والتطوير والإبداع، وليس على الموارد الطبيعية ذات المردود العالي من القيمة المضافة للاقتصاد، من حيث توفير فرص وظيفية قيمة وفرص استثمار تتكامل مع المنشآت الصغيرة والمتوسطة.