+A
A-

المحلل المالي عبدالله الحمادي

إستراتيجية القيادة ترتكز إلى إستراتيجية تحويل البحرين لمركز رئيس للتكنولوجيا المالية

تخطو مملكة البحرين خطوات ثابتة نحو تمكين المملكة لتصبح رائدة في مجال التكنولوجيا المالية (FinTech) من خلال الرعاية السامية من القيادة لإستراتيجية وضع المملكة كأحد المراكز الرئيسة للتكنولوجيا المالية وعبر رعاية مجلس التنمية الاقتصادية لهذه الإستراتيجية وإنشائه (Bahrain Fintech Bay)، إذ استطاع في فترة وجيزة استقطاب العديد من الشركات الناشئة الدولية في مجال التكنولوجيا المالية، كما كان الدور الفاعل للمجلس بالتعاون مع مصرف البحرين المركزي لوضع الأطر التنظيمية للتكنولوجيا المالية من خلال إنشاء "Regulatory Sandbox" وإصدار عدد من التنظيمات في المجلد التنظيمي لمصرف البحرين المركزي للشركات العاملة في هذا من المجال، من أبرزها التنظيمات الخاصة بالصيرفة المفتوحة، والتمويل الجماعي بشقيه الإسلامي والتقليدي بالإضافة إلى تطوير التشريعات الخاصة بوسائل الدفع.

تلك الصورة المتقدمة يحدثنا عنها المحلل المالي عبدالله خليفة الحمادي، وهو مصرفي بحريني شاب يمتلك خبرة 9 أعوام في مجال الصيرفة والمالية، وهو أيضًا محلل مالي معتمد (CFA) من قبل معهد المحللين الماليين (CFA institute) بالولايات المتحدة الأميركية، وحاصل على درجة البكالوريوس مع مرتبة الشرف الأولى في تخصص الأعمال المصرفية والمالية من جامعة البحرين، ويعمل حاليًا محللا أول بوكالة فيتش للتصنيف الائتماني، وصدر له الجزء الأول من كتاب "مبادئ التخطيط المالي والاستثمار والتداول"، وعمل سابقًا محللا أول في مصرف البحرين المركزي.

 

برنامج تحليل البيانات الضخمة يواكب تطور الذكاء الاصطناعي

 

تنفيذ توجيهات القيادة للمستقبل

يا ترى، كيف يسير العمل على تنفيذ التوجيهات السامية لصاحب الجلالة الملك للاستعداد للتعامل مع متطلبات الاقتصاد الرقمي والذكاء الاصطناعي؟ وإجابة على هذا السؤال يرى الحمادي أن: رؤية عاهل البلاد صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، وولي العهد رئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، بدأت منذ سنين لتطوير الكوادر البحرينية، واليوم نلمس على أرض الواقع، ومن خلال التوجيهات السامية ملامح عدة، ولنأخذ الجامعات الوطنية وأولها جامعة البحرين كمثال، إذ طرحت قبل عامين برنامج بنوك وتحليل البيانات الضخمة BIG DATA وهذا البرنامج يواكب تطور الذكاء الاصطناعي، وتم تخريج أول دفعة ماجستير في شهر أبريل من العام 2020، وهذا البرنامج، سواء من جانب المؤسسات العامة أو القطاع الخاص، يتابع المؤشرات من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ويحلل المنشورات والأخبار والتغريدات والتعليقات التي يكتبها الناس، وهذا العلم تطور ليشمل العديد من الجوانب، وتوجيهات القيادة تتجلى في هذا البرنامج، وهو من الأساسيات في التعليم الآلي، إذ يتم برمجة الحاسب الآلي للبحث عن بيانات معينة خلاف الطريقة التقليدية السابقة، وجامعة البحرين طرحت هذا العام 2021 أيضًا برنامج الماجستير في الأمن الإلكتروني، وبكالوريوس علم تحليل البيانات، ومعهد البحرين للدراسات المصرفية والمالية أطلق برنامج الماجستير في التكنولوجيا المالية.

 

من جانب آخر، فإن "بحرين فنتك باي" بالتعاون مع مجلس التنمية الاقتصادية بدءا برنامج جورج تاون للتكنولوجيا المالية أمام الشباب، فترجمة الرؤيا الشاملة للبحرين لتكون في الطليعة، تتضح من التوجه والاهتمام من قبل القيادة بالمؤسسات الأكاديمية لتأهيل كوادر جديدة، ونرى اليوم بعض المؤسسات المالية تبعث موظفيها أو من خلال "الأونلاين" للتخصص في التكنولوجيا المالية، ورأينا كيف أن بعض البنوك تطرح مسابقات أمام الشركات والخريجين في هذا المجال لحل مشكلة معينة من خلال تطبيق داخلي يعمل في البنك، وأهمية هذه التجربة ليست فقط على صعيد استخدام التكنولوجيا، بل للتسهيل على العملاء وتقليل التكاليف ورفع جودة الخدمات.

 

هذا هو التحدي الرئيس

ولكن، هناك تحولات جذرية تتطلب تدريب وتطوير الكوادر المحلية لمواجهة أي تحول تقني أو إداري في المستقبل، ما المطلوب من وجهة نظركم لتحقيق هذا الأمر؟ يقول الحمادي: إن الكوادر الوطنية تحمل شهادات في كل المجالات، بما فيها الذكاء الاصطناعي، أما التحدي الذي أراه ركنًا رئيسًا فهو الحاجة لرفع الوعي المالي لدى الجمهور، ففي أي مجال، ماليًا واستثماريًا وتكنولوجيًا، فإن نجاحك في الاقتصاد الرقمي يعتمد بالدرجة الأولى على وعي الجمهور وإلمامه بمنتجك من خلال هذه الأدوات، فالعميل حين يستخدم تطبيقًا جديدًا، فالتحدي ليس في البرامج، بل لابد من توعية المواطن والمقيم بشأن هذه الأدوات، وأنها موجودة، وتوجهه إلى كيفية استخدام هذه الخدمات والفوائد المترتبة، ورأينا كيف أن جائحة كورونا رفعت الإقبال على المنتجات الإلكترونية، فمستخدمي التكنولوجيا المالية في حاجة لتوعية الجمهور وأفضل طريقة هي البدء من المدارس.. الجيل الجديد، فأنا وأنت تعلمنا بعض الأمور في شهر، واليوم أخي أو أختي الصغرى تعلمتها في أسبوع، والجيل القادم قد يتعلمها في يوم أو ساعة أو دقائق وهذه سنة التطور في الحياة، ونبدأ من الصغار لتشكيل قاعدة سليمة.

 

لا أؤمن بأن التحدي يكمن في تدريب وتطوير الكفاءات المحلية من البحرينيين، فهناك البرامج التدريبية والأكاديمية، وبالإمكان ابتعاث عدد من الطلاب الخريجين من الثانوية من قبل المؤسسات المصرفية للتخصص في مجالات التكنولوجيا المالية بشتى أنواعها وكذلك البيانات الضخمة BIG DATA، ونظم المعلومات وكيفية استخدامها في تدريب الآلة (Machine learning) ولكنني أرى أن التحدي الحقيقي هو الحاجة لرفع الوعي المالي لدى الجمهور خصوصا في مجال المالية والاستثمار ومن ثم التكنولوجيا المالية، فهو المستخدم الأول والأخير لهذه المنتجات، ولكن أدرك أنه يجب أن ترتكز التوعية في هذا المجال إلى كيفية استفادة الفرد بشكل شخصي وكيفية إمكان تحسين حياته من خلال استخدامه لهذه الأدوات وليس فقط القيام بالتوعية من خلال التركيز على توعية الجمهور بوجود هذه الأدوات (Awareness focus)، ولنا في تجربة جائحة كورونا خير مثال، فقد شجعت الجائحة العديد من الناس بالتسجيل واستخدام تطبيق "BenefitPay" وبالتالي أسهم هذا التطبيق في تسهيل حياة الناس بشكل قياسي.

تدابير حماية النظام المصرفي

ما أبرز التدابير الرقابية والتنظيمية التي ترونها مهمة وأساسية لتأمين انتظام الخدمات المصرفية وحماية الاستقرار المالي في مملكة البحرين؟

إن مصرف البحرين المركزي يقوم بشكل فعال بنشر عدد من الدراسات الاستشارية المتاحة للعموم على موقع المصرف، ثم يقوم بإرسالها كذلك للمصارف المحلية لأخذ التغذية الراجعة على التشريعات المقترحة كما يقوم بدراسة آثار هذه التشريعات، وهذه من الخطوات التي نقدرها للمصرف ونحييه عليها من خلال اهتمامه بأخذ الرأي والمشورة قبل تشريع أي أطر تنظيمية، وهذه التدابير من أهم التدابير التي يقوم المصرف بفعلها بشكل مستمر، وتسهم بشكل أساسي في حفظ النظام المصرفي والاستقرار فيه من دون التسبب في أي مفاجآت غير سارة قد تضر بالقطاع، وهذا من خلال خبرة المصرف المركزي الطويلة في إدارة القطاع المصرفي، وفي إطار ذلك أرى ازدهارًا في المستقبل للمملكة، على ضوء الإستراتيجية الوطنية للمملكة التي نرى خطوات تنفيذها بشكل ثنائي من قبل مجلس التنمية الاقتصادية ومصرف البحرين المركزي من خلال تشجيعهما للمصارف المحلية للتعاون مع الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية، ولعل من أبرز هذه النتائج رؤية عدد من المصارف ترعى مختبرات الابتكار ومسابقات لحل مشكلات تقليدية في عالم المصارف قد تكون التكنولوجيا المالية هي الحل لتسهيل وتقليل التكاليف وزيادة كفاءة الخدمات كما أسلفت.

السوق تكره المفاجآت

يقوم مصرف البحرين المركزي بعمل لا يعلم عنه كثيرون، فالمصرف بخبرته على مدى 5 عقود منذ أن كان يحمل اسم مؤسسة نقد البحرين، وقبل إصدار أي تشريع، كان هناك ما يسمى الاستشارة، ومن خلالها يراسل المصارف وجمعية مصارف البحرين أو القطاع الذي يخصه، ويطلب رأيهم ودراسة الأثر المالي، وبالتالي يجمع المعلومات كلها ويدرسها ثم يصدر التشريع، فلا تشريع يصدر دون أن يمر على المصارف، وهذه الاستشارة يعلنها المصرف من خلال موقعه الإلكتروني وبإمكان أي شخص التواصل وإبداء رأيه، ولكن الأولوية لأصحاب الشأن، إذ يضع آراءهم بشكل رئيس ويطلع على الردود كلها، ولو كان لدينا تصور يحوي 70 صفحة، فالمصرف يتواصل مع المصارف مصرفًا مصرفا، وبهذا لا تتفاجأ السوق التي تكره المفاجآت، والمصرف يتابع آخر التشريعات من خلال اتفاقية بازل كمنظمة عالمية تساهم في الاستقرار المالي من خلال المصارف، ويراجع المصرف المركزي كل ما يصدر عن اتفاقية بازل ويدرسها ومن ثم يتخذ الخطوة المطلوبة في مسار التشريعات الجديدة.

 

خدمات مصرفية آمنة ”وأنت جالس”

كونكم خبراء لكم دور كبير في تطوير القطاع المصرفي في المملكة، كيف تنظرون إلى ما تحقق من نقاط تفوق لهذا القطاع وما أبرز أوجه النجاح التي ترونها؟ من ناحية التقدم، دعني أضع هذه الصورة: لك أن تقدم الشيك قبل الساعة العاشرة صباحًا وتجده في حسابك بنفس اليوم، وإذا تأخرت في الإيداع ستجده في اليوم التالي في حسابك، وكذلك بالنسبة للتحويلات الفورية كفوري بلاس وفوري، فمن ناحية وسائل الدفع فالبحرين، وأنا أقول ذلك بعد أن زرت المملكة المتحدة وهونغ كونغ وكوريا الجنوبية، أقول إن البحرين متقدمة في هذا المجال.

 

أعود للحديث عن بحرين "فنتك بي"، ونقرأ المستقبل على مستوى الخليج العربي، هناك شركات كشركة "ترابط" في دولة الإمارات العربية المتحدة وشركات "مدفوعات" في المملكة العربية السعودية، وهناك خطط ومبادرات للتوسع، لهذا فإن أكبر نجاح هو تطبيق "بنفت" الذي قدم خدمة كبيرة للمواطنين والمقيمين بسهولة الاستخدام والأمان، حتى بالنسبة للمشروعات الصغيرة، فلا يحتاجون اليوم إلى خدمة التحويل المالي كالدفع واستلام المدفوعات واليوم لا تعدو الخطوة كونها مجرد "رقم"، فبإمكانك تحويل مئة فلس إلى محل شاي الكرك، إلى عشرات الدنانير للمحلات الكبيرة التي تقبل الدفع بالبنفت، وهذا نجاح يضع عددًا كبيرًا مقدمي الخدمة والجمهور في مكان واحد، وتستخدم رقم الهاتف كوسيلة للدفع، ولم أره شخصيًا في أي مكان في العالم، وبالطبع هناك أبحاث في التكنولوجيا المالية وهي لها مخاطر كالمخاطر السيبرانية، ولابد أن يكون هناك عوامل خطر في قطاع التكنولوجيا، إلا أن المصرف المركزي وشركة بنفت يقدمان عملًا جبارًا.

 

ميزة تنافسية أمام المنافسين

ودعني أضيف نقطة مهمة، من خبرة "بنفت" في البيانات استطاعت جمع شرائح كبيرة من المصارف والشركات والأفراد، وهذا يمنح الشركة ميزة تنافسية على المنافسين في الخليج، وهذا من باب اكتساب الخبرة مع الشركات الصغيرة والمتوسطة والقطاعات الكبيرة، وهناك مشروع "إيه كي" و"اي سي"، وأشرحه باختصار وبكل بساطة: تفتح حسابًا بنكيًا وأنت جالس في المنزل بحيث يكون البنك في يدك، فلو كان هناك فرع واحد، ستتمكن من تنزيل التطبيق والتقاط صورة للهوية، كالبطاقة أو الجواز، والتطبيق ذاته يلتقط صورة فوتوغرافية كبصمة للوجه ثم من خلال برمجيات معينة يتم التأكد من أنك الشخص ذاته صاحب الطلب، وبالتالي كنت في السابق تذهب إلى البنك وتنتظر وتقدم أوراقك، واليوم تستطيع من خلال التطبيق إنجاز طلبك خلال نصف ساعة وتستخدم حسابك في نهاية اليوم من منزلك أو مكتبك، فلا يحتاج العميل للحضور بل من خلال التطبيق، حتى لو أنك صاحب سجل افتراضي أو مشروع صغير فتقدم نسخة من السجل والهوية ويتم التواصل معك في حال وجود أمور تتعلق بغسيل الأموال وغيرها، وخلال يومين تحصل على الموافقة من البنك، وأصحاب المحلات التجارية اليوم مطلوب دمجهم في الحساب المصرفي، فالمشروع الصغير يحتاج للنمو ولا يمكن ذلك إلا من خلال الاستفادة من الخدمات المصرفية والقروض وغيرها، وهنا لابد أن يكون لديه سجل وإيرادات ومصاريف ليحللها البنك، وهناك مشروعات مستقبلية كثيرة خصوصًا بالنسبة لدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.

 

استخدام تقنية ”بلوكشين”

لقد سهلت العمليات المالية حياة الناس بشكل كبير، وكان لها أثر ملموس على حياة الجمهور، لأن خدمات المدفوعات تتطور بشكل سريع، ولا نستبعد استخدام تقنية "البلوكشين" في المستقبل في المملكة لتطبيق التحويلات المالية ومن ثم تعميمها على باقي مجلس التعاون. من جهة أخرى، فإن تنمية الاقتصاد الوطني والاهتمام بسوق البحرين تتم عبر دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من خلال التمويل، ونهضة مجلس التعاون تتجلى في الاهتمام بتلك المؤسسات لأنها دينامو الاقتصاد وهي التي تخلق الوظائف وهي المستقبل، فالمصارف وباستخدام التكنولوجيا المالية، تهيئ المستقبل لدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لكي تنمو، ونحن اقتصاد قائم على الخدمات، وهذا الجانب مهم للغاية.

 

إذن، تقدمت البحرين كثيرًا في وسائل الدفع الإلكتروني، وهذا تمهيد للمستقبل من أجل بناء إستراتيجية تضع البحرين كما قلنا في المقدمة كمركز للتكنولوجيا المالية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وبالتأكيد هناك العديد من المنافسين، إلا أن طموح القطاع المصرفي في الدولة كبير ولا ريب.