+A
A-

رئيس مجلس إدارة جمعية مصارف البحرين عدنان أحمد يوسف

يا ترى، أين موضع جمعية مصارف البحرين على خارطة القطاع المصرفي، وما دورها في دعم صياغة مستقبل هذا القطاع، وهل لدى الجمعية برامج عمل في هذا الاتجاه؟ كان ذلك هو السؤال الأول الذي بدأنا فيه الحوار مع ضيفنا رئيس مجلس إدارة الجمعية السيد عدنان أحمد يوسف. وفي الحقيقة، تميزت الإجابات، ليس على هذا السؤال، بل على كل الأسئلة، بعمق وشمولية، واقتدار مبني على خبرة عمل وعقلية مصرفية فذة.

 

جملة الإجراءات والتدابير عززت من سمعة مركز البحرين المالي إقليميا وعالميا

 

يبدأ الإجابة بالقول: اضطلت جمعية مصارف البحرين، والقطاع المصرفي ومنذ بداية جائحة كورونا بدور وطني كبير، إذ بادرت الجمعية وبالتنسيق مع مصرف البحرين المركزي بتقديم كل الدعم المالي الممكن للعملاء والمقترضين والمجتمع والاقتصاد من خلال تأجيل أقساط القروض لنحو 18 شهرًا، وتطبيق سياسة العمل عن بعد، والتوسع في تقديم الخدمات المصرفي الرقمية وإطلاق المبادرات المجتمعية والتطوعية وحملات التوعية وغيرها الكثير.

 

واسمحوا لي القول إن الجمعية انهمكت طوال الفترة الماضية على تنظيم والمشاركة في العديد من الفعاليات والبرامج، ومناقشة العديد من التشريعات التي تهم مصالح الصناعة المصرفية، خصوصا تلك المتعلقة بحماية هذه المصالح في ظل الجائحة، بدعم من المصرف المركزي والبنوك الأعضاء مثل التشريعات الخاصة بالوساطة والتحكيم والمحكمة المالية والتعديلات في قانون الشركات، ومواصلة التعاون مع الجامعات وفتح علاقات جديدة للصناعة المصرفية مع نظيراتها في كورية واليابان وغيرها، وداخليًا، فإن الجمعية تسعى لتطوير آليات عملها، بما في ذلك اللجان الدائمة وترتيب أولياتها، لكي تواكب الاحتياجات المستقبلية، خصوصا في حال استكمال ضم عضوية شركات إدارات الأصول وشركات التأمين.

 

ويواصل حديثه "لذلك أقول بكل ثقة إن الصناعة المصرفية في المملكة باتت تمثل دعامة أساسية للاقتصاد الوطني وشاهدا حيا على صلابته ومتانته وقدرته على التكيف مع مختلف الأزمات التي مر ويمر بها العالم، وساهمت بقوة في حمايته من تداعيات هذه الأزمات وآخرها ما نمر به اليوم من جائحة كورونا؛ وذلك بفضل الوضع المالي التي تتمتع به البنوك في البحرين والبيئة التشريعية والرقابية الحصيفة التي يقودها باقتدار مصرف البحرين المركزي وجملة الإجراءات الواسعة التي اتخذتها الحكومة الرشيدة لحماية الاقتصاد من هذه الجائحة".

منهج متكامل للتداعيات

لمصرف البحرين المركزي دور كبير في تطوير القطاع المصرفي في المملكة، كيف تنظرون إلى ما تحقق من نقاط تفوق لهذا القطاع وما أبرز أوجه النجاح التي ترونها؟

يمكننا القول بكل اعتزاز إن مصرف البحرين المركزي كان من أوائل البنوك المركزية في العالم الذي تصدى ووفقًا لمنهج متكامل للتداعيات المحتملة لفيروس كورونا على الصناعة المصرفية، والاقتصاد عمومًا في المملكة، من خلال قيامه بإصدار سلسلة من الإجراءات والتدابير للحفاظ على صحة وسلامة المواطنين والمقيمين والعاملين في القطاع المالي على حد سواء، كما أصدر حزمة من التدابير الرقابية والتنظيمية للتخفيف من آثار التداعيات المالية على مستهلكي الخدمات المالية المتضررين من الفيروس وكذلك المؤسسات المالية والتجار ومساعدتهم لاستيعاب تلك التداعيات، بالإضافة لحماية استقرار القطاع المالي بمملكة البحرين، بما في ذلك رفع قدرة الإقراض لدى البنوك بما يعادل 3.7 مليار دينار بحريني؛ وذلك لإعطائها المرونة اللازمة للتعامل مع طلبات العملاء لتأجيل الأقساط أو للتمويل الإضافي خلال المرحلة المقبلة.

وبكل ثقة أود الإشارة إلى أن جملة هذه الإجراءات والتدابير عززت من سمعة مركز البحرين المالي إقليميًا وعالميًا؛ لكونها تنسجم مع الخبرة المكتسبة والقيادة المتمرسة طول العقود الخمسة الماضية لهذا المركز، والتي أدارت بحنكة واقتدار الصناعة المصرفية في المملكة عبر مختلف الأزمات السياسية والاقتصادية والمالية التي شهدها العالم طول هذه الفترة، وكان مركز البحرين المالي قادرًا دومًا على تخطيها واستئناف مسيرته الناجحة.

لذلك، فإننا نرى في دور مصرف البحرين المركزي صمام أمان لديمومة وسلامة واستدامة الخدمات المصرفية في المملكة، والحفاظ على مكانتها الإقليمية والعالمية المرموقة.

 

التحول الرقمي.. قاطرة خروج

التحول الرقمي في القطاع المصرفي واستحداث أنظمة المدفوعات الرقمية واستحداث هيكل إداري متخصص يتوافق مع هذه التطورات من أكبر التحديات، كيف تسير الأمور على هذا الصعيد؟

البنوك البحرينية وحتى ما قبل الجائحة، وبدعم كامل من مصرف البحرين المركزي، بدأت رحلتها في التحول الرقمي بسبب تطور البنية التحتية والتشريعات المناسبة وتوافر الإمكانات المالية والبشرية ودعم وتشجيع السلطات الرقابية. لكنها بعد الجائحة سرعت من خطواتها في رحلة التحوّل الرقمي، وباتت هذا الرحلة لا تمثل مجرد مشروع لتعزيز الأعمال وتلبية توجّهات العملاء الرقمية وخدمة إستراتيجيات المصارف، بل إنها شكلت قاطرة للخروج من تداعيات جائحة كورونا؛ لأنها أتاحت التعامل مع هذه التداعيات بشكل فعّال وحافظت على استدامة الأعمال ونوعية الخدمات لجميع شرائح العملاء.

إن مستقبل العمل المصرفي سوف يتأثر بشكل عميق بهذه التوجهات، إذ ستطال الفروع المصرفية والمدفوعات الرقمية، الهاتف الذكي وقنوات التسويق الموحّدة لخدمة العملاء وبيانات العملاء وتحليلها، والخدمات السحابية وحلول شركات التكنولوجية المصرفية والصيرفة المفتوحة وغيرها.

لذلك، فإن قيادات المصارف وبتوجيهات من المصرف المركزي وضعت خططها لمواصلة رحلة بنوكها نحو المدفوعات الرقمية في مرحلة ما بعد "كوفيد 19"، ولهذا تقوم بالاستثمار بشكل مكثف في تنويع المحافظ الرقمية المالية، لتضم محفظة الهاتف الذكي الرقمية، محفظة المصرف الرقمية والمحفظة التجارية الرقمية، ومن المتوقع ارتفاع استخدام "القياسات الحيوية" (Biometrics) في المدفوعات، خصوصًا مع إيلاء الهيئات المعنية هذا الموضوع الاهتمام اللازم وتحديدًا مجالي الأمن الرقمي وخصوصية بيانات العملاء.

 

مبادرات الدعم ضمن الحزمة المالية

أشدتم بجهود الدولة والبنوك المحلية وتجاوبها مع التوجيهات الحكومية للتخفيف على الأفراد والشركات من آثار جائحة كورونا، هل تلقيتم ملاحظات من البنوك أو معوقات ساهمتم في وضع حلول لها؟

العكس هو الصحيح، إذ إن جميع البنوك رحبت بصورة تامة بالتوجيهات الملكية السامية وتوجيهات الحكومة الموقرة للتخفيف على الأفراد والاقتصاد، وكان آخرها التي أطلقت خلال شهر يونيو الماضي وذلك بتكليف من صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء للجهات المعنية بمتابعة تنفيذ التوجيهات الملكية السامية بوضع الحلول المناسبة لدعم القطاعات المتأثرة من تداعيات الجائحة، والقرارات التي أصدرتها الحكومة الموقرة تنفيذًا لهذه التوجيهات بتمديد عدد من مبادرات الدعم ضمن الحزمة المالية والاقتصادية لمدة 3 أشهر إضافية بدءًا من يونيو 2021 إلى أغسطس 2021.

 

استدامة الأنشطة الاقتصادية

إن جمعية مصارف البحرين ومعها جميع البنوك في البحرين ترى أن حزمة القرارات والإجراءات المالية والاقتصادية الجديدة تجسد على نحو جلي حرص جلالة الملك المفدى حفظه الله والحكومة الموقرة على الحفاظ على النمو المستدام، وبنفس الوقت استدامة الأنشطة الاقتصادية ودعم العمالة الوطنية في القطاعات المتضررة كونها تمثل أولوية قصوى يجب أن توجه لها جميع الجهود الحكومية بتعاون وتكاتف الجميع.

كما تسهم هذه التوجيهات في استدامة الأنشطة الاقتصادية المتضررة للتغلب على تداعيات انتشار فيروس كورونا، خصوصا أن البنوك في البحرين وبدعم كامل من مصرف البحرين المركزي تعتبر مساهم أساسي في جميع حزم الدعم التي أطلقت منذ بداية انتشار الوباء ولعبت دورا محوريا في إنجاحها من خلال تأجيل أقساط القروض وتقديم الدعم للمقترضين والمودعين والتوسع في تقديم الخدمات المصرفية الرقمية علاوة على مبادرات المسؤولية الاجتماعية، كما سوف تواصل تقديم كل الدعم للحزمة الجديدة انطلاقا من مسؤولياتها الرئيسة في حماية ودعم الاقتصاد والمجتمع.

سلسلة خطوات تشريعية وفنية

من وجهة نظركم ومتابعتكم للقطاع المصرفي، كيف يسير العمل على تنفيذ التوجيهات السامية من جلالة الملك للاستعداد والتعامل مع متطلبات الاقتصاد الرقمي والذكاء الاصطناعي؟

تمتلك مملكة البحرين تجربة غنية في التحول الرقمي بدأت منذ أكثر من عشرين عاما عبر مراحل مختلفة، من خلال اتخاذ سلسلة من الخطوات التشريعية والفنية والإدارية على مستوى الحكومة والوزارات وتلك المتعلقة بالبنية التحتية والأنظمة والأمن وشركات الدفع الآمن وغيرها من الإجراءات والخطوات المتزامنة وفقا لرؤية إستراتيجية بعيدة المدى، وكان للبنوك والمؤسسات المالية دور رئيس فيها، ويسعدنا أن نشارككم جانبا من أهم ملامح هذه التجربة.

لقد عززت أزمة "كوفيد 19" وسياسات التباعد الاجتماعي عمليات التحول الرقمي في مملكة البحرين، فتمت أتمتة معظم الخدمات الحكومية في ظل التوجيهات الملكية السامية، ما أدى إلى تخفيض قياسي في وقت إنجاز المعاملات وتحسين جودتها، وتبني التحول الرقمي في المجالات التشريعية والقضائية، وعمليات التخليص الجمركي، والخدمات المقدمة للمشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، كما سهم بفاعلية في إنجاح التعليم عن بعد في جميع مراحل التعليم أثناء جائحة كورونا، وكذلك في عمليات شركات التأمين والمصارف.

 

وحدة التكنولوجيا المالية

وعن هذا الجانب تحديدًا، أي التحول الرقمي في مجال المصارف، وكوني رجلا مصرفيا أمضيت العقود الأربعة الأخيرة في الصيرفة التقليدية والرقمية، يسعدني أن أنوه بأن مصرف البحرين المركزي وضمن الرؤية الإستراتيجية للتحول الرقمي قام ومنذ العام 2017 بإنشاء وحدة للتكنولوجيا المالية والابتكار واستحداث البيئة الرقابية التجريبية للشركات الناشئة في مجال التقنية المالية والترخيص لمؤسسات مالية في مجال التكنولوجيا المالية (الفنتك)، إضافة إلى ترخيص للبنوك الرقمية، كما سمح للصيرفة المفتوحة أيضًا، وأطلق أخيرا خدمة "اعرف عميلك إلكترونيا" (eKYC) من قبل المؤسسات المالية في المملكة. وانسجامًا التوجيهات الملكية السامية، سارعت البنوك التقليدية والإسلامية في البحرين لتبني إستراتيجياتها في التحول الرقمي، إذ قامت بإعادة هيكلة شبكة الفروع واستحداث فروع الخدمات الإلكترونية والقيام بتحديثات جوهرية على شبكة أجهزة الصراف الآلي، وتدشين تطبيق الخدمات المصرفية عبر الهاتف النقال، وتحديث وإعادة إطلاق الخدمات المصرفية عبر الإنترنت للشركات والمؤسسات، كذلك، خصوصا خلال جائحة كورونا، بادرت إلى تطبيق العمل عن بعد وتقديم الخدمات عن بعد للحفاظ على سلامة وأمن المجتمع.