+A
A-

الكاظم: لا قروض لمريض السكلر.. ومنحه منزوعة من التغطية التأمينية

  • الظهراني منحني ثقته فكنت أطرق كل باب فأجده مفتوحًا
  • فقيد الوطن الكبير حريص على متابعة تحديات مرضى السكلر أسبوعيًا
  • سمو ولي العهد رئيس الوزراء بادرنا بالدعم ورسائل المودة
  •  مريض السكلر لم يختر حياته وللجدة البحرينية دورها المشرف
  • محاربو السكلر لم يرفعوا راية المظلومية وأثبتوا للجميع كفاءتهم

 

أكد رئيس جمعية البحرين لرعاية مرضى السكلر زكريا الكاظم أن الجمعية لم ترفع راية المظلومية، بل كانت الصورة الحقيقية لتحديات المحاربين وتطلعاتهم وطموحاتهم.

وأضاف في حواره بالتزامن مع مناسبة اليوم العالمي للتوعية بفقر الدم المنجلي، الذي يصادف 19 يونيو من كل عام، أن الجمعية رفعت راية الاعتزاز، وعبروا عن قوة ومتانة مشاركة محاربي السكلر في مختلف الميادين، وقالوا للجميع "نحن أكفاء وقادرون على القيام بما يجب علينا ولم نتأخر".

وتابع، أقول للمجتمع: أحتاجكم اليوم أكثر مما مضى، وأقول لحكومتي: أعول عليك أكثر مما قمت به مشكورة.

وفيما يلي نص الحوار:

 

ما أفضل تعريف لمريض فقر الدم المنجلي؟

هناك متعايش مع المرض وهناك ناجٍ من المرض، ونحن اخترنا لأنفسنا لقب المحاربين.

المتعايش هو الذي قبل به كواقع ولابد من مصاحبته مخافة أذيته.

والناجي هو شخص يصارع، إما أن ينجو أو لا ينجو، وفي الأغلب يبحث عن وسيلة لينجو.

أما نحن فكلما انتهينا من معركة احتجنا إلى خوض غيرها، ربما انتصاري مؤقت لأنني سرعان ما سأرجع مرة أخرى في معركة الحياة والموت، لذا في كل مرة نحتاج أن نخطط للمعركة القادمة لننتصر لا لنهزم.

ربما نهزم ونفقد حياتنا لكن الخطة تقول: كن مستعدًا فالعدو قادم، والمحارب هو الذي يكون متيقظًا متربصًا لهذا الخصم.

بعض زملائنا ذوي الأمراض المستعصية يخبرهم الأطباء أنها آخر شهور في حياتهم، وعليهم الاستمتاع فيها مع أحبائهم، لذا يخرجون وهو ينظرون إلى أحبتهم وإلى أيامهم نظرات من يودعهم ويملي عينيه بآخر ساعات الفرح، ويحاول أن يسعد من حوله لأنه راحل وستبقى ذكراه.

أما نحن فإننا نخرج من المستشفى من معركة الموت إلى معركة الحياة، وهي أن نستعيد الوظيفة التي خسرناها، أو أن نعوض الراتب الذي اقتطع منا، ونعوض عيالنا بالأيام التي أخذتها منا أسرتنا البيضاء، نحن نخرج إلى المهمة المستحيلة في كل يوم، ومع علمنا أننا نعود كل يوم ونحن لم نحقق مكسبًا جديدًا، ولم نحصل على وظيفة.

تستمر ابتسامتنا تزين وجوهنا، فلا تجد مريض سكلر عابس الوجه، لدرجة أنه اتهمنا بعض الأطباء أننا لا نتألم ونمثل عندما نقصد المستشفى، وأحدهم قال لي: أنت مريض سكلر؟ قلت له: نعم. قال: كيف تقول عندك وجع وأنت تبتسم كأنك شخص مرتاح؟ أقول له: كلنا كذلك. فرفض منحي العلاج.

 

كيف تقيم مستوى الرعاية الصحية المقدمة لمرضى فقر الدم المنجلي في البحرين؟

بدأ مشواري مع الرعاية الصحية منذ ولادتي، وزاد اهتمامي بعد تأسيس جمعية البحرين لرعاية مرضى السكلر، ولعلني كنت من أكثر الأصوات إزعاجًا في الاحتجاج والاعتراض على طبيعة الرعاية الصحية المقدمة لمريض السكلر في البحرين.

مررنا في هذه المسيرة بمنعطفات كثيرة، ودفعنا أثمانًا باهظة، سواء في الجمعية أو في وزارة الصحة.

وكان الأصعب منها حين جلست كمتلق للرعاية الصحية على طاولة مقدم الرعاية، كاشفًا جميع أوراقي بشفافية مطلقة وبشجاعة تحسب لوزارة الصحة، إذ أصبحت عضوا في مجالس استشارية دولية في تشجيع المؤسسات الصحية في إشراك المريض في اتخاذ القرار وإدارة وتطوير المؤسسات الصحية، وهو ما أصبح يعد ميزة للمؤسسات الصحية ومؤشر تقدم لها عندما يكون في مجلسها ممثلين عن المرضى.

اليوم وبفضل كل تلك المسيرة، تمكنت البحرين من أن تنال قصب الريادة في رعاية مريض السكلر، وبات الجميع من كل أنحاء العالم يستضيفني ويتعرف مني على التجربة البحرينية.

صحيح أننا متقدمون في مستوى الرعاية الصحية لمرضى فقر الدم المنجلي، وبتنا نموذجًا عالميًا، وأصبحت تجربتنا البحرينية تمثل مصدر فخر واعتزاز للمملكة، إلا أننا مستمرون نحو تطوير الرعاية الصحية لمحاربي الخلية المنجلية.

 

ما الدور الذي تلعبه الجمعية في دعم مرضى فقر الدم المنجلي؟

قررنا منذ أول اجتماع عمل لنا أن لا نكون صندوقًا خيريًا، فليس مهمتنا القيام بوظيفة الآخرين، فليس دورنا جمع المال وحراسته، أو رعاية الفقراء وحمايتهم من العوز، وهذا بلا شك دور الجمعيات الخيرية ذات الباع الأطول في هذا المجال.

ولتنتصر في معركة السكلر، ينبغي أن يكون لديك وعي والتزام ومسؤولية، فجميع برامج الجمعية تصب وتركز على هذه المنتجات، وهو ما يعني تقديم مادة علمية موثوقة تمنح لكل المرضى وتجعلهم واعين بمسؤولياتهم، وتعرفهم على أهمية الالتزام بالواجبات، وخلق الوازع الداخلي بالالتزام بمسؤولية.

إن تخلي الفرد عن واجبه يفك ارتباط جميع هؤلاء ويهدد النجاح، كما أن قلة الاكتراث عدونا جميعًا في جميع المستويات.

لذا استطعنا نحن في جمعية البحرين لرعاية مرضى السكلر أن نكون مؤسسة ذات أهمية وقوة وتأثير في مجتمع المحاربين، وكذلك في المجتمع الأهلي ومختلف مؤسساته، إضافة إلى حجزنا في المنظومة الصحية مقعدًا في مجلس القيادة السياسية في البلاد، ومقعدًا في المؤسسات الدولية، فالجميع ينصت لنا باهتمام حينما نتحدث ويتم تدوين تلك الملاحظات.

نحن الصورة الحقيقية لتحديات المحاربين وتطلعاتهم وطموحاتهم، نحن نعكس قوتهم ومتانة مشاركتهم في مختلف الميادين، نحن لم نرفع راية المظلومية، بل رفعنا راية الاعتزاز وقلنا للجميع نحن أكفاء وقادرين على القيام بما يجب علينا ولم نتأخر.

الجمعية لا تمثل زكريا، كما أن زكريا لا يمثل نفسه، فهذا النجاح الذي حققناه، وهذه السمعة والثقة التي كسبناها مصدرها محاربو الخلية المنجلية، والتي قمنا بترجمتها عبر الأعمال والتصريحات ومد جسور التواصل ونسج خيوط العلاقات الإنسانية.

تأثيرنا ليس في البحرين فقط، بل في منطقتنا الخليجية وفي دول العالم، إذ بتنا صوتًا مهمًا في تطوير الرعاية الصحية لمحاربي الخلية المنجلية، ذات 27 مليون محارب في العالم.

 

كيف تقيم مستوى الوعي الاجتماعي في البحرين لمرض فقر الدم المنجلي؟

سأتحدث حول دور الجدة البحرينية كمثال مشرّف، فعند إطلاق مشروع الفحص قبل الزواج في 2006، كانت الدولة حريصة على منح المجتمع فرصة ليعرف ويأخذ قرارًا طوعيًا في تقوية أمنه.

هذا القرار غير ملزم بالنتيجة، فالقضية مجرد فحص وتوجيه وإرشاد وينتهي الأمر، ولكن كيف انتصرنا؟

حينها كانت الأرقام تتحدث عن إصابة 4 مواليد لكل 100، ثم أصبحت 4 مواليد لكل 1000 مولود، وفي العام 2014 أصبحت النسبة 6 لكل 10 آلاف شخص.

حين نتكلم عن هذا النجاح في خفض نسب مواليد السكلر، يبرز دور الجدة البحرينية في إصرارها على عدم إتمام الزيجة والارتباط قبل الفحص، وتشكيل لوبي ضاغط على الأبناء لمنع أي زيجة غير متطابقة الفحص، وتهديدها بعدم حضورها هذا الزواج في حال تمامه.

شعب البحرين شعب محافظ واعٍ يحترم المعرفة ويقدرها، ويقبل التغيير ولا يقاومه لصالح الأفضل، شعب يمنحنا الدم تفضلًا دون سؤال ماذا نقول عنه؟، شعب نسي همومه ورفع راية السكلر وساندنا في مختلف الميادين.

كذلك نجد أن مجلس النواب رغم اختلاف آراء أعضائه وتبدلهم على مر السنوات، اتفقوا جميعهم على دعم محاربي السكلر، وكذلك أعضاء مجلس الشورى، وهذا يعني أن السكلر وحد الجميع.

كل ذلك لا فضل لنا فيه، بل إن طبيعة أهل البحرين وفطرتهم الإنسانية من أصغر فرد فيهم إلى أعلى الهرم، يتعاطفون معنا، فجلالة الملك كلما سنحت لي الفرصة لزيارته أطال الوقوف معي، ويحملني سلامه لأبنائه، ويحرص على الاطمئنان على أحوالهم وعن مستوى الرعاية المقدمة لهم.

 

 

أين موقع مرضى فقر الدم المنجلي في التشريع البحريني؟

حينما تم تسمية رئيس فخري لجمعيتنا، قمنا باستعراض الأسماء جميعها، وشخصت أعيننا إلى العم العزيز رئيس مجلس النواب (الأسبق) خليفة الظهراني، وفي الحقيقة لم يتأخر عنا أبدًا، على الرغم من رفضه طلبات جمعيات ونوادٍ أخرى واعتذاره لهم بأدب رفيع لانشغالاته، إلا أنه وقف عندنا غير متردد، ومنحني وما زال ثقته، فكنت أطرق كل باب فأجده مفتوحًا.

كما وجدنا تقدير رئيس مجلس الشورى علي الصالح لنا، والذي أفرد لنا مساحة خاصة يلتقينا ليسمع بنفسه بصبر شديد - حتى وإن أطلنا - متفقدًا ومستفسرًا وداعمًا وأحيانًا وسيط خير.

ومرورًا بالرئيس السابق لمجلس النواب أحمد الملا، ووصولًا لرئيسة المجلس الحالي فوزية زينل، علاقتنا متينة مع المجلس التشريعي، ونعول عليهم كثيرًا في رحلتنا.

ويكفي أن نعرف أن مركز أمراض الدم الوراثية، نتيجة عملية تشريعية ساهم فيها مجلسي النواب والشورى، وأمضاه فقيد الوطن الكبير صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة (رحمه الله)، وأمر بإنشاء المشروع بسخاء.

كما فاجأني سموه (رحمه الله) أن خصص لي وقتًا كل أسبوع للاستماع إلى تحديات المرضى، كما ضمّن متطلبات السكلر ضمن برنامج عمل الحكومة للأعوام 2014 – 2018.

إن في رحيل سموه (طيب الله ثراه) خسارة كبيرة جدًا على جميع المستويات محليًا ودوليًا.

وبعد رحيل سموه، بادرنا بجميله ولي العهد رئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة برسائل المودة والدعم، الأمر الذي كان يبعث على الفخر والاعتزاز، والتأكيد على إصرار الدولة في رعايتها لمرضى السكلر وتمكينهم فيما يتطلعون إليه.

 

ما التحديات التي تواجه مرضى فقر الدم المنجلي؟

محارب الخلية المنجلية لم يختر حياته التي يعيشها، فهو نتيجة قرار فردين، قد يكون ارتباطهما دون علم منهما بنتيجة هذا الارتباط؛ بسبب عدم تقدم العلم، أو نتيجة زواج أصر فيه الزوجان على الارتباط رغم اعتراض من حولهم.

وفي الحالتين، المولود هو نتيجة هذا الفعل، فلماذا يستمر البعض في مهاجمة المحاربين كلما التقوا بهم؟

وما ان يعرف الأبوان إصابة ابنهما حتى يبدآن محاولة إنكار مرضه، والسعي لإخفاء ذلك عن الأقارب؛ مخافة الملامة، وتبدأ معها محاولات قمع الألم أو الذهاب للمستشفى بالخفاء، والتهرب من الإجابة على أسئلة بعض المعارف حول أسباب وجودهم في المستشفى.

ومن التحديات، قسوة بعض الآباء مع أبنائهم المرضى، ومحاربتهم لقرار الطبيب منحه مسكن الألم، والإصرار على رفض منح ابنهم أي نوع من المسكنات الأفيونية؛ خشية الإدمان، وهذه المخاوف إما نتيجة الجهل، أو خشية وصم مقدمي الرعاية لمرضى السكلر بالمدمنين.

وتتسبب نوبات الألم لمرضى السكلر وحاجته المتكررة لتلقي العلاج، في تغيب مريض السكلر عن المدرسة، ما يؤدي ذلك إلى تراجع تحصيله العلمي، وربما أدى ذلك إلى لحاق من هم أصغر سنًا منهم بهم، فيدفع البعض منهم إلى التسرب من المدرسة، لاسيما المراهقين منهم.

وعند بلوغ الابن سن المراهقة، يبدأ الأهل بالشعور بالذنب وتأنيب الضمير، خصوصًا عندما يسمعون أبناءهم يوجهون لهم أصابع اللوم والعتب على قرارهم الخاطئ الذي يدفعون هم ثمنه باهظًا، وهو ما يجعل الآباء عاجزين عن الوفاء بحقه والشعور بالخجل أمامه، فيبدأ عندها الولد بمسك زمام السيطرة على المنزل، والتحول إلى طفل مدلل يقوده الغضب، الذي نتيجته خسارة تحصيله العلمي.

إضافة إلى ذلك، فإن مستوى الرعاية والاهتمام اللتان يحظى بهما مرضى السكلر من الأبوين، ينعكس بشكل وآخر على نوعية الرعاية التي يتلقاها بقية إخوته الأصحاء.

وعادة ما يتحمل آباء المصابين بالسكلر تكاليف مالية إضافية نتيجة تعويض أبنائهم عن تراجع تحصيلهم العلمي، أو اضطرار أحد الأبوين التغيب عن العمل، أو خسارته إجازته السنوية؛ بهدف اضطرارهم للمكوث مع أبنائهم في المستشفى.

هذه التحديات تظل ترافق مريض السكلر في الجامعة، ومن ثم الوظيفة، ويعقبها الزواج، إلى جانب عزوف المجتمع عن قبوله في مختلف أنشطته في النوادي أو التجمعات الشبابية أو البرامج الاجتماعية والدينية أو الجمعيات وغيرها.

من جانب آخر، فإن مريض السكلر يعاني من رفض المؤسسات المالية منحه قرضًا لبدء مشروعه الخاص، وفي حال تم الموافقة على منحه وتوفي قبل سداد كامل القرض، فإنه يواجه مشكلة أخرى، وهي عدم أحقيته في الحصول على تغطية تأمينية عن مخاطر الوفاة، وهو ما يحمل الأبناء ديون آبائهم.

في المستشفى يعامل المرضى بميزان الإدمان، وفي المجتمع ينظر لنا بعين الضعف، وفي المنافسات لا يعترف بضعفنا وتحدياتنا ونشارك فيها بشروط الأصحاء، هذه عمومًا جملة من التحديات التي تواجه مرضى السكلر في البحرين.

 

كمرضى لفقر الدم المنجلي، ما طموحاتكم لتحسين واقع حياة مريض فقر الدم المنجلي؟

العالم من حولنا تغير، ما عاد الأطباء هم أصحاب الرأي الأول والأخير في إدارة وتنظيم وتطوير الرعاية الصحية، فالعالم اليوم في تغيره السريع وكانت البحرين أول مستجيب لذلك، وهو أن المريض شريك في تطوير الرعاية.

صحيح أن البداية كانت للسكلر، إلا أن الجميع أصبح يتطلع إلى أن يكون نموذجًا عن السكلر، وهم محقون في ذلك.

إن الرؤية المستقبلية في مختلف أنحاء العالم، هي أن يكون الوزراء من ذوي الأمراض والممثلين عن الأقليات، وهم أصحاب القرارات المستقبلية.

مستقبل الرعاية الصحية هي في تمكين أصحاب الأوجاع؛ لأنهم أفضل من يقومون بتطوير الرعاية وتقديمها.

نطمح أن يأتي اليوم الذي نصل فيه إلى صفر مواليد جدد سكلر، والاعتراف بأننا محاربون لدينا تحديات، وأن نكافئ على إنجازاتنا بشروط ذوي الهمم.

نطمح أن لا يتم منعنا من مواصلة النجاح لأسباب تعود إلى مرضنا أو ضعفنا، وأن لا يتم فصلنا لأننا تغيبنا عن العمل لتلقي العلاج، وأن لا ينظر لنا أننا غير قادرين على الإنجاز.

نتطلع إلى أن يثق بنا المجتمع كزوج أو كزوجة، ليبدأ المجتمع بنفسه في تقبل مريض السكلر، ونطمح في ترسيخ حق المريض في حمايته من الوجع، وعدم النظر إليه بعين الإدمان.

أقول للمجتمع: أحتاجكم اليوم أكثر مما مضى، وأقول لحكومتي: أعول عليك أكثر مما قمت به مشكورة.