+A
A-

عوادم السيارات "أشرس" المهددات البيئية لصحة الإنسان

•      الجائحة خفضت انبعاث الملوثات البيئة وآثارها على صحة الإنسان

•      تراكم الانبعاثات لفترة طويلة يهدد الصحة والحياة

•      سن التشريعات الرادعة ضرورة لحماية صحة الإنسان من مخاطر البيئة

•      الوعي الاجتماعي البيئي يساهم في بناء المسؤولية البيئية للمجتمع

 

قال الخبير البيئي وعضو مجلس بلدي الشمالية شبر الوداعي "إن صحة الإنسان من صحة بيئته التي تعني جودة الهواء وجودة الماء وجودة الغذاء بصونهما من مختلف مصادر وأنواع التلوث".

وأشار في حديثه مع "صحتنا" إلى أن عوادم السيارات تعد من أكبر مصادر الخطر البيئية على صحة الإنسان وجودة الحياة.

وأكد على أهمية بناء تشريعات رادعة للمخالفات البيئية، واعتماد الإجراءات الحديثة للإدارة البيئية.

وفيما يلي نص اللقاء:

 

كيف تؤثر البيئة على صحة الإنسان؟

شهد الواقع البيئي تحولًا ملموسًا مع جائحة كورونا (كوفيد 19)، إذ شهدت البلدان في العالم وكذلك البحرين منعطفًا في الظروف البيئية، أدى إلى انخفاض في مستوى تلوث الهواء؛ بسبب الانخفاض في حركة المركبات وعمل المصانع التي تبث انبعاثات ملوثاتها من الأدخنة المتداخلة في مكوناتها الكربونية والكيميائية والفيزيائية إلى الغلاف الجوي للمحيط البيئي للإنسان، وتترك آثارها السلبية على صحة الإنسان.

وهنا يمكن تبين الأثر الفعلي لصحة البيئة على صحة الإنسان عندما نلاحظ المؤشر الإيجابي على صحة البيئة؛ نتيجة الانخفاض في مستوى ملوثات الهواء وتحسن المحيط البيئي للإنسان، وبالارتكاز على ذلك التحول، يمكن القول إن الركيزة الرئيسة للصحة العامة تكمن في صحة البيئة، التي تعني جودة الهواء وجودة الماء وجودة الغذاء بصونهما من مختلف مصادر وأنواع التلوث (فيزيائيًا وكيميائيًا وبيولوجيًا)، إلى جانب بناء منظومة ترتكز على المعايير التقنية والإدارية الحديثة في إدارة النفايات وإدارة الصرف الصحي، وذلك هو المؤشر الذي يمكن الارتكاز على معطياته لتحديد البعد الإيجابي في تأثير البيئة على الصحة.

 

ما قراءتكم للأرقام والإحصاءات المتعلقة بتأثيرات البيئة على صحة الإنسان؟

في الوقت الراهن، لا تتوافر إحصاءات حديثة يمكن الارتكاز عليها في إبداء رؤية تفيد البحث في الموضوع.

ورغم ذلك، يمكن القول إن الأرقام المرصودة في التقارير التوثيقية السابقة خصوصًا تقرير حالة البيئة في مملكة البحرين لعام 2009، تشير إلى أن محطات رصد الهواء في البحرين رصدت ارتفاع نسبة الملوثات في الهواء بالغازات المنبعثة من عوادم السيارات، وبالتالي فهي تشكل الهم الأكبر في تلوث البيئة في المملكة.

ويعد انبعاث الغازات من قطاع المواصلات، خصوصًا المواد الهيدروكربونية وأكاسيد النيتروجين وأول اكسيد الكربون والجسيمات العالقة وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون، موضع قلق واهتمام الجهات المتخصصة محليًا وإقليميًا ودوليًا.

وهذه الانبعاثات الناجمة عن عملية احتراق الوقود الأحفوري، تشكل نسبة كبيرة متنامية من انبعاثات الأنشطة البشرية على المستوى الدولي.

والتقرير في إطار معالجته لمشكلة تلوث الهواء يشير إلى أنه في إطار دراسة قامت بها شؤون البيئة في مملكة البحرين في العام 1997 لحساب كمية انبعاث ملوثات الهواء من مصادر انبعاثها، تبين أن المركبات تساهم بحوالي 49 % من مجموع انبعاثات ملوثات الهواء في مملكة البحرين.

كما تبين أن حوالي 39.91 % من انبعاثات أول أكسيد الكربون مصدرها المركبات، وأن المركبات هي المصدر الرئيس لانبعاث المواد الهيدروكربونية، إذ تقدر عندهم نسبة مساهمتها بحوالي 98.85 % من مجموع الانبعاثات المقدرة بأكثر من 102 ألف طن سنويًا.

ورغم الفترة الزمنية التي تفصلنا عن العام الذي جرت فيه الدراسة، لا نعتقد أنه جرى تحول إيجابي في عدد المركبات بل هو في ازدياد مضطرد، وذلك يضاعف من انبعاثات الكربون من عوادم المركبات، ما يضاعف الآثار البيئية السلبية على صحة الإنسان، الذي يستدعي التفكير في إيجاد بدائل فنية للحد من تزايد مخاطر الانبعاث المضرة في الهواء وصون الأمن الصحي للمجتمع.

 

كيف تقيمون الأثر البيئي للأنشطة الصناعية المختلفة في البحرين على صحة الإنسان؟

البحرين من الدول التي تضطلع باعتماد الإجراءات الحديثة للإدارة البيئية في قراءة وتقييم المتغيرات البيئية، وبناء الحلول الإجرائية لمعالجة المشكلات البيئية.الخبير البيئي شبر الوداعي

وبالارتكاز على ذلك التوجه، يجري الحرص في إعداد التقارير العلمية للتقييم البيئي، وذلك ما يمكن بيانه على سبيل المثال في تقرير حالة البيئة في مملكة البحرين لعام 2009، الذي جرى فيه تحديد المعطيات الرئيسة المسببة لتلوث الغلاف الجوي للمحيط البيئي للإنسان، والمتمثلة في تدني جودة الهواء؛ بسبب الانبعاثات الناجمة عن توليد الطاقة وتحويلها، انبعاثات عوادم السيارات، وانبعاثات القطاع الصناعي، وتداخل المناطق الصناعية والمناطق السكنية، وتزايد احتمالات تعرض السكان للملوثات الهوائية، وارتفاع نسبة الجسيمات الدقيقة المستنشقة في الهواء بسبب مقالع الصخور، ومصانع الخرسانة والطابوق، ومواقع البناء والتعمير، وقلة الغطاء النباتي، والتصحر، والعواصف الرملية التي تتعرض لها المنطقة.

والتقرير يحدد الأثر البيئي لتلوث الهواء على صحة الإنسان والبيئة، والتي هي مصدر رئيس للأنشطة الصناعية، إذ يؤكد على أن الملوثات المنبعثة من مصادر محددة إلى الهواء المحيط يمكن أن تطرأ عليها تغيرات فيزيائية وكيميائية، وإذا ما انبعثت بكميات كبيرة ولفترات طويلة، فإنها يمكن أن تؤدي إلى أضرار مختلفة بحياة الإنسان والحياة الفطرية والحيوان والنبات، وتؤثر في الاستمتاع والتنعم بمظاهر الحياة.

 

ما أبرز المخاطر والتحديات البيئية على صحة الإنسان في البحرين؟

المخاطر والتحديات البيئية متداخلة المصادر، وجميعها تتسبب في الإخلال بجودة مكونات النظام البيئي التي تشكل البيئة الحاضنة لمعيشة وحياة الإنسان، وإن الإخلال بجودة مكوناتها يتسبب في التأثير السلبي على صحة الإنسان.

والمعروف أن الأسباب المؤسسة للمخاطر البيئية في بعدها العام ترتبط بالممارسات والأنشطة غير الملتزمة بالاشتراطات، والمعايير البيئية التي تحددها التشريعات والأنظمة القانونية في الشأن البيئي، وضعف الإدارة البيئية في رصد وضبط المخالفات البيئية.

وذلك يشير إلى مؤشرات رئيسة مرتبطة بجوانب الخلل والضعف في منظومة التشريع والإدارة البيئية، السلوك المؤسسي والاجتماعي وضعف المسؤولية البيئية والقيم والأخلاق البيئية أيضًا، وكذلك ضعف الوعي البيئي للفرد والمجتمع.

وإذا ما شخصنا الواقع المحيط بالنظام البيئي للإنسان، فإنه يمكن الإشارة إلى منظومة من المخاطر والتحديات، وتتمثل في الملوثات الصناعية بمختلف مصادرها، والمخلفات البشرية بمختلف أنواعها، وجميع تلك المصادر تعد من المخاطر والتحديات البيئية ذات الأبعاد السلبية على صحة البيئة والإنسان، إذ من المعروف أن الانبعاثات في الهواء والمخلفات التي يجري رميها في المياه الساحلية والبحرية ومخلفات المصانع والمنازل التي تلقى في المناطق العامة ويزدحم بها مكب النفايات، جميعها مصدر خطر على حياة البيئة والإنسان.

 

ما السبيل لمعالجة المخاطر البيئية على صحة الإنسان في البحرين؟

الحديث عن متطلبات معالجة خطر البيئة على صحة الإنسان يستدعي التأكيد على ضرورة توافر منظومة من الإجراءات، ويمكن الإشارة بشكل أساس إلى ضرورة بناء التشريع البيئي المؤسس في قواعده وآلياته القانونية في تنظيم إجراءات الحماية البيئية، وتوفير مؤسسات الردع القانوني للمخالفات البيئية.

ومن الطبيعي أن يجري العمل على بناء الإدارة البيئية القويمة في آليات عملها للرقابة البيئية المرتكزة على مبادئ الإدارة الحديثة للرقابة والمتابعة والكشف عن المخالفات البيئية، وفرض الالتزام بقواعد الحفاظ على معالم النظام البيئي.

ومن الطبيعي عند الحديث عن متطلبات معالجة الخطر البيئي ألا نغفل جانب الوعي البيئي كوسيلة مهمة ومساعدة في الحد من الممارسات، التي تتسبب في الإخلال بالنظام البيئي؛ إذ إن الوعي الاجتماعي البيئي يساهم في بناء المسؤولية البيئية للمجتمع، وذلك يساعد من جانب في الحد من الممارسات المدمرة للبيئة، ومن جانب آخر يساهم في تحفيز المجتمع بالمساهمة في تعزيز فاعلية الإدارة البيئية، وذلك بلا شك يعزز من فاعلية إنجاز متطلبات أهداف المشروع الوطني للتنمية المستدامة.

 

كيف عالجت التشريعات البيئية البحرينية صحة الإنسان؟

إن الواقع المشار إليه في شأن الأثر البيئي على صحة الإنسان من الموضوعات التي جرى أخذها في الاعتبار في التشريعات القديمة، وتجسد ذلك في القواعد القانونية المحددة في الفقرة 4 من المادة 2 من قانون رقم (21) لسنة 1996 بشـأن البيئـة التي تعرف تلوث البيئة على أنه "أن يتواجد في البيئة أي من المواد أو العوامل الملوثة، بكميات أو صفات، لمدة زمنية قد تؤدي بطريق مباشر أو غير مباشر، وحدها أو بالتفاعل مع غيرها، إلى الإخلال بالتوازن البيئي، والأضرار بالصحة العامة، أو تؤثر بأية صفة على الاستمتاع بالحياة والاستفادة من الموارد والممتلكات".

وبموجب المادة 10 من القانون، فإنه يحظر رش أو استخدام مبيدات الآفات أو مركبات كيماوية أخرى لأغراض الزراعة أو الصحة العامة أو غير ذلك من الأغراض، إلا بعد مراعاة الشروط والضوابط والضمانات التي يحددها جهاز البيئة بالاتفاق مع وزارة الصحة ووزارة الأشغال والزراعة، بما يكفل عدم تعرض البيئة بصورة مباشرة أو غير مباشرة في الحال أو المستقبل، للآثار الضارة لهذه المبيدات أو المركبات الكيماوية.

 

مع وجود تشريع بيئي جديد منظور أمام السلطة السلطة التشريعية، ضمن أي سياق تناول هذا التشريع صحة الإنسان؟

إن قواعد القانون البيئي الوطني والدولي تأخذ بمبدأ حماية البيئة من منظور صون صحة الإنسان التي تعتبر الهدف المباشر لقواعد القانون البيئي، وذلك ما أخذ به المشرع البحريني في مشروع قانون البيئة البحريني المعروض للمناقشة والاعتماد أمام البرلمان البحريني.

ويمكن التحقق من ذلك في الفقرة 2 من المادة 3 من القانون والتي تؤكد على "منع ومكافحة التلوث بجميع أشكاله ووقف تدهور البيئة عبر الخطط والسياسات اللازمة للمحافظة عليها من الآثار الضارة الناجمة عن الأنشطة التي تؤدي إلى إلحاق الضرر بالإنسان أو البيئة البحرية أو البرية أو الهواء".

 

ما أبرز النظم التشريعية البارزة في منطقتنا والتي تعالج مسألة صحة الإنسان في القوانين البيئية؟

إن المشرع البحريني تبنى مبدأ الحماية للبيئة وصحة الإنسان وذلك ما يتوافق مع المبدأ الذي أخذ به المشرع الإماراتي في القانون الاتحادي رقم 24 لسنة 1999 في شأن حماية البيئة وتنميتها، إذ يؤكد في الفقرة 4 من المادة 2 على "حماية المجتمع وصحة الإنسان والكائنات الحية الأخرى من جميع الأنشطة والأفعال المضرة بيئيا أو التي تعيق الاستخدام المشروع للوسط البيئي".

 

حتى تتمتع التشريعات بقوة نفاذها هي بحاجة إلى تحقق مبدأ الردع في حال المخالفة، فكيف تناول التشريع البحريني عقوبة مخالفة التشريعات البيئية الضارة بصحة الإنسان؟

إن القواعد القانونية المؤسسة لمبدأ حماية البيئة وصحة الإنسان من الطبيعي أن تكون في حاجة إلى أدوات الردع القانوني التي تعزز فاعلية أهداف القانون، وذلك ما أدركه المشرع البحريني وأكده واقعًا في الفقرة باء من المادة 63 التي تؤكد على أنه "يحظر استيراد أو جلب أو التخلص من النفايات النووية بأية شكل من الأشكال في كامل إقليم المملكة".

وتعزيزًا لواقع القاعدة القانونية التي ضمنها المشرع في القانون الجديد أخذ بمبدأ تغليظ العقوبة القانونية، وذلك ما جرى تضمينه في المادة 92 والتي نصت على حكم الإعدام في حالة مخالفة أحكام الفقرة باء من المادة 63 في القانون الجديد، وبذلك فإن المشرع البحريني آخذ بالقاعدة القانونية التي يأخذ بها المشرع الإماراتي في القانون الاتحادي للبيئة والمحددة في المادة 73 من القانون.

ويمكن القول إن المؤشرات القانونية لقواعد القانونين البيئي الوطني والدولي تضع في الاعتبار معادلة الترابط الفعلي بين حماية البيئة وصحة الإنسان، وتلك معادلة مترابطة الأدوات القانونية، إذ لا يمكن الفصل فيما بين القواعد القانونية لحماية النظام البيئي والمحيط البيئي للإنسان، والقواعد القانونية المنظمة لصون صحة الإنسان، إذ يتناغمان في الأداة والفعل القانوني والهدف، وذلك هو المبدأ الذي تؤكد واقعه منظومة الأهداف العالمية للتنمية المستدامة التي تحرص الدول على تحقيق جدواها البيئية في العام 2030.