+A
A-

معاناة عادل

 

بقلم:  عبد المحسن عدنان الأحمد

 

في إحدَى المدنِ البعيدةِ كان هناك أسرة ميسورة الحال مكونة من الأب والأم وطفلين هما: عادل وعمره ست سنوات، وحسن عمره ثماني سنوات، وكان الأب يذهب إلى وظيفته كالمعتاد والأم تقوم بأعمالها المنزلية المعتادة، وتعتني بالطفلين. كان عادل يعاني من طيف التوحد الذي يجعله يعاني كثيًرا في التواصل مع غيره سواء في المنزل أو المدرسة أو أي مكان.

 

كانت الأم تحمل عبْء العناية بهما ومساعدة عادل؛ كي يصبح طفلًا طبيعيًا مستمتعًا بالحياة كأخيه وأقرانه. حاول الوالدان إدخاله في مراكز مختلفة للعناية به وتأهيله، ولكن جميع هذه المراكز مكلفة جدًا، وتحتاج إلى أموال طائلة باستمرار. قررت الأم أن تكون هي من تساعد طفلها وتعينه على اجتياز صعوبات الحياة والاندماج في المجتمع، كان عادل وأخوه حسن يذهبان إلى نفس المدرسة، وهي مدرسة عادية تُعنى بجميع الطلبة، وهذا ما جعل عادل لا يستطع مواكبة أقرانه أو أن يندمج معهم، كان الوحيد الذي يستطيع فهم ما يشعر به هو أخوه حسن، ولكن أثناء التحصيل الدراسي لا يستطيع العناية بأخيه ومتابعته.

 

كان عادل يعاني كل يوم في لبسه ومأكله، وفي خروجه للمدرسة، وفي تعامله سواءً مع والديه أو معلميه أو أقرانه أو أي شخص كان... كان حسن يحضن أخاه بشدة وينظر إليه في عينيه، ويقول له «أنا معك فلا تخف»، عندما تأتيه ردات فعل عصبية من أي موقف في المدرسة، أو من زملاء عادل في الفصل. كانت الأم جدًا فخورة بحسن؛ لأنه يُحسِن لأخيه ويحاول أن يشعره دائمًا أنه بأمان وأنه معه في كل مكان ويسانده بالرغم من صغر سنه.

 

في أحد الأيام وبينما كان عادل جالسًا في الفصل قام أحد الطلبة المشاغبين بمضايقته؛ توتر عادل وقام بالصراخ، والعبث بالأشياء في كل مكان، وهو يضرب برأسه ويتمتم بكلمات غير مفهومة، هنا قام الأطفال الآخرون بالضحك عليه وتقليد حركاته، وهو يزداد غضبًا واضطرابًا، قَدم المعلم على أصوات الأطفال واستهزائهم، ورؤيته لعادل وهو منهارٌ، ويضرب رأسه تارة، وطاولة الدراسة تارة أخرى، هنا أدرك المعلم أنه يجب أن يبقى عادل في بيئة أخرى، وأن الفصل لا يساعده على الاندماج والتطور.

 

كانت هذه الأحداث تحدث بصورة شبه يومية. علمت الأم بما حدث لعادل، فأخذت على عاتقها أن تساعد ابنها وتستعين بأخيه حسن في طريقته للتواصل مع عادل، واستخدمت الأم طريقة الرسم في التعبير عما تريد من عادل أن يفعله، نجحت هذه الطريقة مع عادل فأخذ يستجيب لأمه وتفاعل معها كثيرًا، وأصبح يحس بارتياح كبير وسهولة في التواصل مع أمه وأخيه، فكانت ترسم ما يحبه عادل وتعبر بالرسم عما تريد منه أن يفعله وعما تريد أن تخبره به، أحس عادل بفرح لأول مرة عندما يريد أن يخبر أمه أو أخاه عن أي شيء يريده ويحتاجه، حيث أصبح هناك تشويق في التعبير وعن طريق شيء طالما أحبه ألا وهو الرسم. استمر عادل بالتفاعل إلى أن أصبح جاهزًا للتعامل، أخطرت الأم إدارة المدرسة وطلبت منهم مساعدتها في هذا الشأن وأن يساعدوا عادل في طريقته الجديدة في التعبير. كان عادل يمتاز بذكاء كبير خصوصًا في المواد العلمية، ولكن كانت مشكلته في صعوبة التواصل حيث أثرت على تحصيله العلمي.

 

وافقت إدارة المدرسة على اقتراح أم عادل، وأعطت هذه المهمة لمعلمة كانت ذات موهبة في الرسم، فقامت بإيصال المعلومة وما يُطلب من عادل أن يفعله عن طريق الرسم التعبيري. نجحت المعلمة الموهوبة وساعدها بذلك هدوءها الذي كانت تتميز به وهو ما سهّلَ وسرّعَ من طريقة التعامل معه، وحثت الطلاب الباقين على احترام عادل، ورسم كل ما يحبه للتواصل معه. أحس عادل بالأمان أولًا؛ وبعدها استطاع أن يكسر حاجز النفور وصعوبة التعامل مع أقرانه، فأصبحوا يقبلون عليه برسومات تعبيرية توضح له ماذا يحبون من الألعاب، وكيف يلعب معهم، وما إذا كان يريد أن يشاركهم في اللعب.

اجتاز عادل شوطًا كبيرًا في الصعوبات التي كانت تواجهه، وأصبح أكثر ثقة وقدرة على إدارة حوار ما، حتى لو كان رسمًا تعبيريًا.

 

هذا، وفي تبادل المعلومات المختلفة مع طلاب الفصل ومعلميه، اجتاز عادل المراحل المتقدمة من دراسته وأصبح رسامًا موهوبًا، بالإضافة إلى تفوقه في المواد الدراسية، وكان لأخيه حسن الذي كان يرافقه في كل أوقاته ويشاركه صعوبات الحياة بحلوها ومرّها والعمل على حماية أخيه وتهيئته لمواجهة المجتمع بأطيافه؛ دور كبير في ذلك، وكان الفضل الأكبر من بعد الله لوالدته التي استدركت الأمر، واكتشفت طريقة سهلة ومبسطة للتعامل مع ولدها عادل، وإخراجه من الألم والضياع الذي كان يعيشه.

 

* يُستفاد من هذه القصة:

أنه لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس، وأن الإصرار والإرادة من أهم السمات التي يجب أن يتحلى بها الإنسان؛ ليجتاز بها صعوبات الحياة وعقباتها.