يصادف أن يتصل بي عدد معلوم من معارفي في نهاية كل شهر ليتذمروا بخصوص استلامهم لرواتبهم في وقت متأخر يتعدى اليوم المحدد لاستلامها بيومين أو حتى ثلاثة أيام في بعض الأحيان؛ وهو الأمر الذي قررت معه كتابة مقالي لهذا الأسبوع عن هذه المشكلة التي قد تشمل العديد من القراء. وفي الحين الذي قد تكون فيه هذه المشكلة مرتبطة بالإجراءات التقنية التي قد تتبعها المؤسسات أو البنوك؛ إلا أنه يجب طرح تلك المشكلة والتفكير في حل لها لما لتأخير الرواتب من تبعات تترتب عليها المزيد من المشكلات.
فتأخير الرواتب - لأي سببٍ من الأسباب، منطقياً كان أم لا - يترتب عليه تعطل مصالح مستلم الراتب. فإن كان عازباً، فهو غالباً مرتبط بقرض سيارة أو غيره، وقد يمتلك بطاقة ائتمان يتعين عليه دفع قسطها الشهري؛ وفي كلتا الحالتين قد تكون هناك غرامة تأخير تنتج عن تأخير استلام الراتب والإيفاء بتلك الأقساط. كما أنه قد يكون معيلاً لوالديه أو إخوانه أو أي من أفراد عائلته وهو ما يجعله في حكم المتزوج من ناحية المسئولية والواجبات. أما إن كان متزوجاً، فإنه حتماً مسئولاً عن أسرة تتكون من زوجة وأبناء يحتاجون للمأكل والمشرب والملبس، وقد يكون مرتبطاً بقرض شراء أو بناء منزل، بالإضافة إلى مصاريف مدارس الأبناء وراتب الخادمة وفواتير الماء والكهرباء و..و..و.
وكما أسلفت، قد يكون تأخير الرواتب له علاقة بالإجراءات الداخلية للشركات والمؤسسات الموظِفة أو بالبنوك المسئولة عن إدراج الرواتب في حسابات عملائها، ولكن ذلك ليس بذنب مستلم الراتب بأي حالٍ من الأحوال! فما ذنب الموظف إن تقاعس المسئولون عن الموارد البشرية في المؤسسة التي يعمل بها عن أداء عملهم بأكمل وجه؟! وما ذنب العميل إن حدثت أي معوقات تقنية أو إجرائية في البنك الذي ينتمي إليه حسابه المصرفي؟! وبالنهاية، من المسئول عن تخلف مستلم الراتب عن الإيفاء بالتزاماته المالية في موعدها وأي غرامات يضطر لدفعها جراء تأخر استلامه لراتبه؟!
لي صديقة يتأخر راتبها كل شهرٍ ميلادي دون استثناء إلا في حالات قليلة جداً، ورغم أنها مقتدرة إلا أنها تواجه الإحراج كل شهر مع أحد البنوك الذي يقتص منها قسط قرضها، وتضطر لتبرير سبب التأخير في كل مرة؛ بالرغم من أن عقد العمل الذي وقعته مع الشركة التي تعمل بها ينص على أن تستلم راتبها في تاريخٍ محدد، ونادراً ما يصادف أن تستلمه في ذلك التاريخ! وكما ذكرت، صديقتي مقتدرة ويمكنها تدبر أمرها رغم الإحراج الذي تتعرض له؛ فكيف هو حال المعسر الذي ينتظر راتبه على أحر من الجمر بدءاً من نصف الشهر أو أحياناً من بداية الشهر؟! وهل تدرك تلك المؤسسات أو البنوك أنه قد يكون وراء ذلك المسكين من يطالبه بإيفاء عددٍ من الديون بالإضافة إلى التزاماته المالية وأعباء الحياة التي يواجهها؟!
إن من حق كل موظف أن يستلم راتبه في الموعد المحدد، وتأخير راتبه لأي مبرر هو هضمٌ لحقه وحق أسرته ومن يعتمد عليه. لذا فإن معالجة هذه المشكلة يعد أمراً هاماً إذا ما أخذنا بعين الاعتبار كل ما ذكرته هنا من الأمور التي تترتب على تأخير الراتب. هناك العديد من الأمور الحياتية التي نتطلع إلى معالجتها هنا في البحرين، وتأخير الراتب هو أبسط تلك الأمور التي يتعين علينا النظر فيها حفاظاً على حق كل موظف ... وهذا هو ملح الكلام.