العدد 2207
الخميس 30 أكتوبر 2014
banner
التونسيون يصوتون من أجل الدولة المدنية عبدعلي الغسرة
عبدعلي الغسرة
الخميس 30 أكتوبر 2014

جرت في تونس الانتخابات التشريعية الأولى بعد انتهاء الفترة الانتقالية التي استمرت حوالي أربع سنوات، وجاء في الترتيب الأول حزب “نداء تونس” الذي تأسس في عام 2012م، وبعده جاءت حركة النهضة التي تأسست عام 1972م بعد أن حققت فوزًا كاسحًا في انتخابات أكتوبر 2011م، وحكمت تونس في الفترة2011م ـ 2014م إلا أنها تركت الحُكم لصالح حكومة تكنوقراط في بداية 2014م بعد أن وُجهت إلى حكومتها انتقادات بسبب سوء الإدارة الاقتصادية وتراخيها في التعامل مع الإسلاميين المتشددين. واستطاع هذا الحزب الفتي “نداء تونس” ورئيسه العجوز “الباجي قائد السبسي ـ 87 عامًا” أن يبعد “الترويكا” ـ حركة النهضة وحليفيها “المؤتمر من أجل الجمهورية” وهو حزب رئيس الجمهورية المنصف المرزوقي - وحزب مصطفى بن جعفر “التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات”.
وتكمن أهمية هذه الانتخابات في تونس في إحداث تغيير في المشهد السياسي التونسي ديمقراطيًا وسلميًا الذي لاقى رضا واستحسان الشعب التونسي والعربي، هذا المشهد الذي شارك في أدائه الشعب التونسي بأحزابه وحركاته السياسية باختلاف أطيافها، وبذلك حققت تونس النصر بالرغم من اختلاف تقدم وتأخر المرشحين للهيئة التشريعية. وأبدى الشعب التونسي في هذه الانتخابات تغيير وجبته السياسية وشهيته الحزبية فقد غدا الإسلام السياسي الطبق غير المفضل له بعد أن عانى الشعب من تورم الجسد التونسي وأعضائه من سوء برامج الإسلاميين السياسية والاقتصادية والاجتماعية، واليوم حركة النهضة أخذت مساحتها الحقيقية بجانب الأحزاب الوطنية والقومية واليسارية والليبرالية.
والتشكيل السياسي التونسي القادم سيشهد مشاركة جميع الأحزاب والحركات السياسية المختلفة الأطياف والتوجهات ولن يتم إقصاء أو تهميش أحد، مثلما فعلت الحركات الإسلامية في تونس ومصر والصومال، مع التأكيد على أن تونس للجميع وهي ليست وقفًا لأحد دون آخر. إن الديمقراطية التونسية لن تكون شرقية ولا غربية، بل في إطار من الخصوصية الوطنية العربية التونسية، بعد أن ثبت أن الإسلام السياسي لم يستفد من خبرته التنظيمية الممتدة لسنوات طويلة، ولم ينظر إلى عمق التغيير السياسي والاجتماعي التونسي بقدر ما كان ينظر إلى تثبيت نفسه في السلطة والحُكم أكثر من تحقيق أهداف التغيير السياسي والاجتماعي الذي قامت من أجله الثورة في 17 ديسمبر 2010م.
وتعتبر هذه الانتخابات الأولى بعد انتهاء الفترة الانتقالية التي حكمت فيها النهضة تونس لحوالي أربع سنوات، هذه الفترة كانت للإعداد والتهيؤ لهذا اليوم الحاسم من التاريخ السياسي لتونس، هذا اليوم هو يوم واحد من عُمر الزمن ولكنه مليء بالدروس، ومن الدروس التي يجب أن تستفيد منها الأحزاب الوطنية والقومية واليسارية الليبرالية والإسلامية هو إعادة النظر في رؤاها وبرامجها السياسية والاقتصادية  والاجتماعية، وأن تعمل على ملء الفراغات الموجودة في الخارطة السياسية التونسية، فدرس اليوم مُفيد جدًا ليوم الغد الذي ليس ببعيد، وعليها أن تمتلك آليات لتطوير مؤسساتها الحزبية من إعلامية وتقنية والاستفادة من الموارد البشرية خصوصا الشباب وهم الفئة الأكثر للاستقطاب المستقبلي بمعية خبرة الرجال والشيوخ التونسيين.
انتخابات تونس التشريعية اليوم تعتبر خطوة كبيرة نحو تقرير مصير تونس السياسي في وضع عربي مضطرب، وسترسي مجموعة من مؤسسات الاستقرار بعد أربع سنوات من الثورة، وهي تعيش صعوبات اقتصادية واجتماعية وتنهكها البطالة ويضنيها الفقر. وبهذه الانتخابات ونتائجها ستغير الملامح السياسية في تونس بعد أن صوت الشعب التونسي للدولة من أجل تحقيق الانتقال الديمقراطي، هذه الانتخابات التي سينبثق عنها برلمان وحكومة جديدة منحهما الدستور التونسي الجديد الذي صدر في 26 يناير 2014م صلاحيات واسعة مقابل صلاحيات محدودة لرئيس الجمهورية، وبذلك أسدل الستار على الانتخابات التشريعية التونسية على انتظار انتخابات رئيس الجمهورية في 23 نوفمبر 2014م.
ومثلما انطلقت شرارة الربيع العربي من تونس فمن تونس سيتم تدشين البداية الديمقراطية العربية الحقيقية، هذه الديمقراطية التي نتمنى أن تصحح المسار السياسي وتكون بداية لعودة تونس للحداثة والعروبة.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية