العدد 5694
الجمعة 17 مايو 2024
banner
احمد عبدالله الحسين
احمد عبدالله الحسين
خربشة ومغزى.. "عنترة .. الفارس العاشق"
الثلاثاء 27 ديسمبر 2022

عنترة الشاعر وأسطورة الفروسية تخلد أسمة شعبيا، وُلِد في الربع الاول من القرن السادس ميلادي في الجزيرة العربية قبل الاسلام في عيون الجواء التابعة لإقليم القصيم حاليا. أمه حبشية اسمها زبيبة، أُسرت اثناء هجوم  على قافلة كانت هي معهم، وأُعجب بها شدّاد العبسي، فأنجب منها عنترة الذي ورث سواد أمة فنبذه قومه وعيروه ورفضوا نسبه. وأبوة من بني عبس بطن من قبيلة غطفان النزارية العدنانية ومواطنها نجد والحجاز.

عنترة بَزَّ اقرانه من الفرسان في حروب الكرّ والفر لداحس والغرباء، والتي دامت اربعة عقود بين عبس وذبيان. ومسمى داحس وغبراء، هي اسماء فَرَسان احدهما لبني عبس، والاخر لبني عمومتهم بني ذبيان.  

أشتهر عنترة بمعلقته الميمية التي رُويت ثمانين بيتا. وفيها غرس معاني الطَّلَلِيَّة والغزل والبكاء والفخر والحرب، والحبّ والحنين والوفاء بالعهد والبطولة. قصة حبّ عنترة لابنة عمة عبلة بن مالك، سطرتها قصائد غزل عفيف ووصال، وتزوجها بعد جهد وانتظار لتمنَّع أبيها وهو عمه .تُوفي عنتره حينما بلغ التسعين مقتولا كما تذكر المرويات التاريخية.  

نأخذ من معلقة عنترة الميمية، وهو من عُرف بشجاعته وبأسه بيتين تذكر رقتةٍّ وأرتماءه تجاه الحبّ، وفي البيتين وصف لمحبوبته عبلة حينما أرسل جارية له تتجسس عليها، فترجع الجارية قائله؛
قالت؛ رأيت من الأعادي غِرّةً
والشاه ممكنةٌ لمن هو مرتمي 
وكأنما التفتْ بجيدِ جَدايةٍ
رشأٍ من الغِزلانِ حُرٍّ أرثَمِ
 
الجارية تقول رأيت محبوبتك بعدما تجسست عليها عند قومها وهم أعادي، فهي غزالة (شاه)، ولك يا عنترة فرصة(غِرَّة) ممكنة لصيدها اذا أردت الصيد (مُرتمي)، وزادت وصف المحبوبة أنها إذا التفتت بعنقها(جِيد) لا أخالها إلا ضبية صغيرة(جَداية)، ورأيت شَفَتها العليا فيها بياض او سواد(رشاء وأرثَم). لوحة فيها تجسيد حوار مجازي مفعم بخيال توصيف وغزل لفارس يعرف الصيد ويخوض المعارك، وقلبه معلق بجمال محبوبته الغزالة يتحين فرصة صعبة المنال.

وهنالك قصيدة أخرى لعنترة يتفاخر بقومه ومكانتهم، ويلوَّح بشجاعة لخصم قوي كالنعمان بن المنذر ملك الحيرة حيث يقول؛    
لِلَّهِ دَرُّ بَني عَبسٍ لَقَد نَسَلو
مِنَ الأَكارِمِ ما قَد تَنسُلُ العَرَبُ
الى أن ذكر،
أُسودُ غابٍ وَلَكِن لا نُيوبَ لَهُم
إِلّا الأَسِنَّةُ وَالهِندِيَّةُ القُضُبُ
تَحدو بِهِم أَعوَجِيّاتٌ مُضَمَّرَةٌ
مِثلُ السَراحينِ في أَعناقِها القَبَبُ 
وفي نفس القصيده يذكر بيت غزير المعنى؛
إِنَّ الأَفاعي وَإِن لانَت مَلامِسُها
عِندَ التَقَلُّبِ في أَنيابِها العَطَبُ
وهذا له مغزى تشبيه، حيث أدخل ما عرفه عنتره بفطرته وهو أبن البادية، بأن طبيعة الحيوان تتبدل فيها الأحوال، فالافعى هي لينة وناعمة الملمس ولكن لا مأمن منها، حين يندفع السم من أنيابها إذا هاجمت فتقذفه بفريستها. وهكذا أفاعي الإنس تتوجس تقلبهم مع الزمن وتبدل احوالهم، فيأتي ما لا تتوقعه منهم حين تتكشر أنيابهم وتُنفث سمومهم.  

عالمنا فيه أفاعي لا تستريح او تُريح. مصلحتها فيما يحقق علوها دونما اكتراث لقيم، او وفاء لعهود. هذه الأفاعي تتقلب اذا رأت نهضة ونمو او تميز وبروز لغيرها، فتتحاين الثغرات وتتربص لدّس عدوات. تفعلها بذكاء ومكر للتأكد أن نفاذ السم، تدفعهم طموحاتهم للتمكن وتمرير ما يخططون حتى لو وضعوا أيديهم مع من لا يريد خيرا لأمتهم. افاعي الإنس طبعها غدّار لا يسلم منها الا من احتاط وعرفها. وتدبر أمره لمنع اي فرصه لها لبث سمومها.  
قصائد عنترة وعصاميته شكلت موروث عبر الأجيال، وشعرة أمتد ناقلا حياة فارس عاشق لا تفارقه الحكمة كمثل هذا البيت؛
لا يَحمِلُ الحِقدَ مَن تَعلو بِهِ الرُتَبُ
وَلا يَنالُ العُلا مَن طَبعُهُ الغَضَبُ

هذا الموضوع من مدونات القراء
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected]
صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية