+A
A-

المخرجة التونسية كوثر بن هنية: “الرجل الذي باع ظهره” كلوحة من “ويم ديلفوي”

كشف أول فيلم روائي طويل للمخرجة التونسية كوثر بن هنية ”على كف عفريت“ (2017) عن موهبة مؤثرّة ومتميزة تحاكي شخصيات أعمالها، واستطاع دون شك ترك أثر في كل فرد من أفراد الجمهور عند عرضه لأول مرة في مهرجان كان السينمائي. لم يكن من الممكن تجاهل تلك النظرة الثاقبة التي اعتادت تقديمها في أفلامها الوثائقية.

والآن، يحتفي مهرجان البندقية السينمائي الدولي بالعرض العالمي الأول لآخر أعمالها ”الرجل الذي باع ظهره“. قد حصل على دعم من مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي عبر برنامج “جدة فوكس”.

يروي الفيلم قصة سام علي، شابٌ سوري حساس ومندفع، هرب من ويلات الحرب إلى لبنان. لكنه يحلم بالسفر إلى أوروبا ليعيش مع حبيبته، فيوافق أن يوشم ظهره على يد واحد من أكثر الفنانين المعاصرين شهرة وإثارة للجدل، مخرجة العمل تحدثت مع موثق مهرجان البحر الأحمر في لقاء طويل عن الفيلم وإنتاجه:

“الرجل الذي باع ظهره” هو عنوان يحمل الكثير من المعاني على العديد من المستويات، ماذا تقصدين منه؟

بالفعل، كما أن العنوان هو شرح مختزل وسريع للفيلم، إذ يروي قصة شاب يعقد صفقة صعبة للغاية، حيث يوافق أن يتحول ظهره إلى لوحة فنان - فهو ”باع ظهره“ بالمعنى الحرفي. لكنه أيضا باع ظهره بشكل رمزي، فأن تكشف جلدتك، يعني أن تفصح عن معتقداتك الداخلية والشخصية.

تكّرم فكرة الفيلم أعمال الفنان البلجيكي ويم ديلفوي الذي اشتهر بوشم ظهر شخص وعرضه كلوحة فنية. هل استعنت بهذا الفنان لإنجاز الفيلم؟

بالضبط، تلك كانت بذرة الفيلم. ويم ديلفوي هو فنان معاصر استطاع تسليط الضوء على حدود وأبعاد سوق الأعمال الفنية. شاهدت أعماله لأول مرة في معرض خاص في متحف اللوفر بباريس يسلط الضوء على مسيرته الفنية. ثم رأيت شابا يجلس في إحدى غرف شقة نابليون الثالث في المتحف، وصدمت حين علمت بأن وشم ظهره هو جزء من المعرض. بعدها تحدثت مع الفنان ويم ديلفوي وأخبرته بأنني أريد صناعة فيلم مستوحى من أعماله، وفي الوقت ذاته، مختلف عنها، ووافق. حتى أنني تعمدت إظهاره في مشهد قصير خلال الفيلم، حيث لعب دور موظف شركة التأمين الذي يقوم بتقييم ظهر اللاجئ السوري. كما أنه أعجب كثيرا بالوشم الذي قمنا بتصميمه خصيصا للفيلم، لكنه مستوحى من أعماله.

هكذا استطعت تضمين العديد من أعماله في مشاهد الفيلم؟

في سيناريو الفيلم، عندنا مشهد في متحف. بدأنا بالبحث عن متحف مناسب في بلجيكا؛ بوصفها مشاركة في إنتاج العمل. وبالصدفة كان المتحف الملكي للفنون الجميلة يعرض أعماله. طلبنا التصوير في المتحف، ورغم أن الموضوع كان معقدا، وليس بالبساطة المتوقعة، استطعنا في النهاية الحصول على التصريح. كنا محظوظين للغاية لتصوير أعمال ويم ديلفوي معروضة في متحف دون الحاجة لبناء ذلك المشهد، وكأن كل شيء كان مقدّرا.

ما مصدر إلهامك وما الأبعاد التي أردت العمل عليها؟

منذ البداية أردت استكشاف شخصية فنان يتحدى عالم الفن، ويتساءل عن أبعاده وحدوده. حين يقدّم إنسانا على أنه عمله الفني، فهو بلاشك يثير الجدل، وينصب فخا أمام المؤسسات والشركات التي تتحكم بعالم الفنون. أمامك مشترٍ ومتحف وناقد ومستثمر، جميعهم اعتادوا على التعامل مع أشياء غير حية لبيعها وشرائها وعرضها. وحين يقدّم ويم ديلفوي الإنسان كفن، فهو يسخر من عالم الفن وأسواقه ومؤسساته، حيث إنه سيُحضر ”شيئا“، وماذا ستفعل بهذا ”الشيء“، وكيف ستتعامل معه؟ إنها فكرة مذهلة. فالعمل الفني سيختفي يوما ما، وسيخسر كل قيمته المادية. والظهر كذلك لا يملكه أحد، وهو بلاشك سيتلاشى ويختفي.

قدّمتِ صورة فنان لم نعتد عليها في السينما حدثينا عن ذلك.

إنه شيء لطالما فكّرت به، ففي العديد من الأفلام التي تتناول فنانا، عادة ما تكون الشخصية نمطية تواجه صراعا ذاتيا، مثل ڤان غوه. هذه الشخصية غالبا عبقرية يُساء فهمها ولا تلقى ما تستحقه من تقدير، وأحيانا شخصية المدمن على الكحول، لكن الفنانين المعاصرين مختلفون تماما عن هذه الصورة. فحين ترى فنانين مثل جيف كونز أو داميان هيرست وغيرهم من رواد الفن المعاصر، تكتشف بأن لديهم سجلا ومهارات تجارية أشبه بمارك زاكربيرغ. هم واثقون من أنفسهم وقادرون على بناء صورة كعلامة تجارية لها قيمتها. هم في الحقيقة من روّاد الأعمال؛ لذا أردت تقديم هذا الفنان، له كاريزما، ويريد الترويج لبيع كافة أعماله. أردت تقديم شخصية الفنان في صورة جديدة ومن منظور مختلف.

ثم تقرنين شخصية الفنان باللاجئ. ما الفكرة من هذه التوليفة الرائعة؟

حين بدأت بكتابة الفيلم، كنت مهتمة جدا بآلية عالم الفن، فهو عالم مذهل بالنسبة لي، ولدي وجهة نظري الخاصة حول الفن. فماذا يعني الفن المعاصر اليوم؟ ولماذا يقتصر على النخبة. لديك مجموعة من الأشخاص السعيدين والقادرين على دخول هذا العالم الذي تحوّل إلى سوق يستثمرون فيه أموالهم. فهو أكثر وأكبر من مجرد فن. كنت كذلك مهتمة للغاية بمصير أولئك اللاجئين في أوروبا؛ لذا جمعت بين الموضوعين اللذين شغلا تفكيري، مما أتاح لي فرصة مواجهة هذين العالمين المتباعدين. نقيضان، لا يجمعهما إلا مخيلتك كفنان تروي هذه القصة. فماذا لو أصبح اللاجئ البسيط جزءا من عالم الفن، هل نستطيع فهمه بشكل أفضل؛ لأنه لا يقدّم وجهة النظر الرسمية والمعتمدة؟ هكذا تحدث الأمور، فأنا لا أفكّر بالمواجهة، وإنما أفكّر بالمواضيع التي تشغلني وتشدني.

مونيكا بيلوتشي ممثلة محترفة وذكية. هل تمكنت من أول قراءة للسيناريو استيعاب أبعاد الشخصية التي تؤديها؟

لديها هذه الصورة بأنها نجمة وأيقونة الجمال، لكن خلف هذه الصورة كنت مندهشة حين التقيت امرأة حساسة للغاية وذكية ورائعة. لم أعرفها من قبل. قمنا بإرسال السيناريو إلى مدير أعمالها، فقرأته ثم أكدّت على موافقتها، لي مباشرة. فاجأتني بأنها فهمت ما أريده تماما. هناك الكثير من المعاني الخفية في الحوار والشخصيات، ولكنها أدهشتني بفهم كل شيء، وليس شخصيتها فحسب.