+A
A-

ابن أفقر جنرال بعهد الشاه متزوج من بحرينية: الملالي “يحلبون” الإيرانيين

اعتقل البريطانيون والأمريكان والده أسيرا للحرب ثم هرب

تعذيب والده بوحشية ومحاكمته بلا محامٍ أو حقوق مدنية

 

بالتقيت فرهاد حيدري بمساء يوم رطب، في إحدى مقاهي المنامة، كان أنيقا، يدخن بشراهة، ويتشارك الحديث مع عدد رجال الساسة والاقتصاد والمجتمع، أساسه الأول إيران، وكيف اختطفت ثرواتها وشعوبها ومقدراتها من نظام ثيوقراطي إقصائي لا ينظر للآخرين بطرف عين.

“فرهاد” الستيني، والذي يحمل الجنسية البريطانية، والمتزوج من بحرينية، ويقيم في المنامة منذ العام 2000، كان يدرك ما يقوله جيدا، إنه يعرف إيران، ويعرف خفايا نظامها، يعرف “السيستم” هنالك على أصوله، كيف يعمل؟ وكيف ينهب؟ وكيف يعتقل؟ وكيف يعدم المعارضين؟ لأن والده كان جنرالا كبيرا في عهد الشاه بهلوي، ولذلك قصة تسردها “البلاد” هنا.

يد الله حيدري، هم اسم الجنرال الكبير الذي كان مقربا جدا من الشاه بهلوي، وهو والد فرهاد، وترجع أصول العائلة إلى  مدينة “همدان” في قلب الأقليم الإيراني، ولد يد الله في العام 1920، ونشأ وترعرع بأوساط عائلة فقيرة، كان تعتاش على مدخول صناعة الأحذية، أسوة بالكثير من العوائل الإيرانية التي كانت تعتاش في ذلك الوقت على المهنة المختلفة، والتي انتشرت في المدن والقرى الايرانية بكثافة بعد انقضاء الحرب العالمية الأولى.

وكان هذا الوالد العصامي، هو الابن الأكبر من أصل أربعة أولاد، وفي العمر 12 سنة، التحق “يد الله” بالمدرسة العسكرية؛ لأنها - والحديث لابنه فرهاد - كانت المؤسسة الوحيدة التي تضمن دفع الرواتب لمنتسبيها بذلك الوقت.

بعد التحاقه بهذه المدرسة، قام والده “أسد الله حيدري” بإغلاق محل الأحذية، والاعتماد على مدخول ابنه الأكبر “يد الله” والذي أعال الأسرة لوحده، حتى زواجه وهو في العشرين من العمر، واستمر الحال كذلك حتى وفاة والده العام 1940.

ويضيف فرهاد متحدثا لــ (البلاد): في تلك الأثناء، كان والدي ضابطا بالجيش الإيراني برتبة ملازم، بإحدى كتائب المشاة، وعندما ابتدأت الحرب العالمية الثانية، واحتل البريطانيون والأمريكان القسم الجنوبي من إيران، والروس القسم الشمالي، بتحالفات مختلفة ضد ألمانيا النازية، كانت إيران محايدة في موقفها السياسي تجاه الحرب، حتى دخول القوات الأجنبية أراضيها.

في ذلك الوقت، كان الجيش الإيراني ضعيفا جدا، وكان البريطانيون والأمريكان يعتقلون الضباط الإيرانيون بعشوائية وعنف، منهم والدي والذي اعتقل كأسير حرب.

ويستكمل فرهاد “استطاع والدي أن يهرب من القطار الذي يقله بأعجوبة ويداه مكبلتان بالأغلال، وأثناء هروبه بين الحقول والمزارع الكثيفة هنالك، قام بخلع ملابسه العسكرية سريعا والتخلص منها، ثم احتمى بإحدى القرى القريبة، متنكرا بهيئة مزارع بسيط، حتى نهاية الحرب العالمية الثانية.

بعد ذلك، تم إعادة بناء الجيش الإيراني من جديد، والتحق والدي به وتدرج في الرتب العسكرية، وأنهى دراسته العليا بتخصص المدفعية وحصل على شهادة الماجستير بتفوق، وتدرج في الرتب العسكرية حتى وصل إلى رتبه (جنرال)، ليعين بعدها كقائد فيلق في الجيش الإيراني بأذربيجان.

ويتابع فرهاد: ما كان يميز والدي، حسب من عرفه وتصادق معه، بأنه كان أفقر جنرال في حقبة الشاه، بعكس غيره الكثيرون؛ لأنه لم يكن فاسدا، ولم يكن يقبل أخذ الرشاوى أو العطايا، كما كان يهتم في جنوده، ويحن عليهم، ينصت لهم، ويسعى لتحقيق مطالبهم بقدر الإمكان، كان لوالدي شعبية كبيرة بين الجنود والضباط.

ومن المواقف الجميلة التي أذكرها له، بأنه وفي موسم الشتاء، كان يخلع “الجاكيت” العسكري الثقيل الخاص به أثناء خدمته في أذربيجان، بالرغم من أكثر فترات هنالك تكون باردة وثلجية.

والسبب أنه كان يتواضع، ويتشارك مع جنوده حالهم الرث، حيث كانت ملابسهم بسيطة بخلاف ملابس الضباط والجنرالات، كما كان يؤكد لهم دائما وبتصرفاته بأنه مثلهم، لقد كنت أرى هذه المواقف بنفسي، حيث كان يصطحبني معه الى هنالك، وأحيانا كان يصطحب أخي الأصغر سنا مني.

وبسبب تواضعه الجم هذا، بموسم الشتاء تحديدا، تعرض والدي لفشل كلوي؛ بسبب الطقس البارد جدا، والذي أثر على كليتيه، يضاف إلى ذلك ضغوط العمل الشديدة، ولقد أثرت مبادئ والدي ورفضه للفساد على وتيره حياته حتى تقاعده عن العمل العام 1976 وهو برتبة جنرال، وكان عمره 56 سنة.

بعد تقاعده عرض عليه منصب حساس جدا، هو رئيس الاتصالات الداخلية في إيران وكان مقربا من الشاه بهلوي، واستمر بهذه الوظيفة حتى الثورة الإسلامية العام 1979 وعندها تم القبض من مقر عمله، وجره الى سجن”ايفين” سيئ الصيت بطهران، حيث تم تعذيبه بوحشية، ومن ثم محاكمته داخل السجن نفسه، بلا محامٍ أو حقوق مدنية، وكان القاضي معمم، ولقد استمرت المحاكمة لمدة سنتين، باستجواب كان يدور عن علاقته وقربه من الشاه.

بعد مرور عامين على هذا الحال، عرض عليه نظام الملالي العمل في الجيش الإيراني الجديد أثناء الحرب العراقية الإيرانية، كجنرال برتبه أعلى، لكنه رفض قائلا “بعد كل هذا التعذيب والإهانة ضدي، كيف تطلبون مني العمل معكم، خصوصا وأنا غير فاسد، وليس لديكم أي دليل ضدي”، واستمر على مبادئه هذه، منشغلا بقراءة الكتب، والجلوس في البيت حتى وفاته بطهران، بسبب مرض سرطان الرئة العام 1995.

ويضيف فرهاد بختام حديثه عن أبيه الراحل “ترك والدي خلفه خمسة أبناء، ومن الأملاك منزلا صغيرا بطهران بناه في بدايات حياته، وفي البنك لم يترك لنا أي شيء”.

ويكمل “أتذكر قصة والدي وأنا أرى اليوم الملالي وهم يحلبون ثروات الشعب الإيراني، ويسرقون أمواله، ويتنعمون في خيراته، ويكذبون على العالم عن مبادئ ثورتهم الفاشية، لكننا سنستمر في مواجهة هذا النظام المستبد، بتوصيل حقيقة الصوت والكلمة حتى زواله”.