+A
A-

لحظات بين “الحياة والموت” في حياة المسعفين

في تلك اللحظة، حين يكون الإنسان أحوج ما يكون لأن يرسل الله سبحانه وتعالى له من ينقذ حياته، تكون المشاعر والأحاسيس والأمنيات والآمال ممزوجة بالآلام والرجاء والرحمة والعرفان.. إذن، كيف يكون شعورك حينما تنقذ حياة ذلك الإنسان؟ إنها حكايات من الواقع تتحول إلى ذكريات، وتلك اللحظات “بين الحياة والموت” في حياة المسعفين، ما هي إلا سجل كتبت فيه أصعب اللحظات حينًا وأجمل اللحظات حينًا آخر وأكثرها حزنًا في بعض الأحيان.. والمسعفون حين يعيدون شريط تلك الذكريات، تأتي الحكايات.

سقط مغشيًا عليه!

يتذكر الكابتن محمد عاشور، وهو “مدرب مدربين”، وهو عضو في عدة جمعيات منها “جمعية الهلال الأحمر البحريني وجمعية الصحة والسلامة وجمعية القلب الأميركية وفريق نبضة حياة الإسعافي، وحائز على دورات داخلية وخارجية، ومثل مملكة البحرين في العديد من المحافل داخل وخارج البحرين، وهو متقاعد من وزارة الداخلية “الإدارة العامة للدفاع المدني”، وفي سيرته مع العمل التطوعي الكثير من المواقف التي أسهم فيها بإسعاف الكثيرين سواء في حوادث الطريق أو الحوادث المنزلية، بل حتى في المناسبات أو الفعاليات الدينية، ويتذكر ذات يوم حينما سقط أحد الأشخاص مغشيًا عليه في قرية كرزكان، ولم يتمكن أحد من الحاضرين من إسعافه ومن حسن الحظ أنه كان متواجدًا في تلك اللحظة، حيث بادر إلى إسعافه إلى حين وصول سيارة الإسعاف ونقله إلى المستشفى، وهذه الحادثة كانت بداية العلاقة الطيبة مع ذلك الإنسان، وهي من الحالات التي لا ينساها أبدًا.

ويضيف عاشور: “حتى المدارس، وأثناء تقديم المحاضرات، قد تحدث حالات أثناء المحاضرة بين الطلاب تتطلب إسعافًا سريعًا، فأتوجه لإسعاف الحالة، وهذه كلها من الأمور التي تسعدني بتقديم المساعدة لجميع شرائح المجتمع”، ويؤكد أنه حسب توجهات نشر الثقافة الإسعافية والسلامة المنزلية، بدأت في إنتاج بعض الأفلام بمجهود شخصي، ومنها المقاطع القصيرة عن السلامة المنزلية والإسعافات الأولية والغرق وعملية الضغطات الصدرية؛ لتحقيق الفائدة لعامة الناس ونشرتها في حسابي على الانستغرام، ونحن نواصل تدريب مختلف الفئات؛ لأنه من المهم بالنسبة لنا أن يكون لدينا في المجتمع أشخاص يمتلكون مهارات الإسعاف.

عشرون دقيقة في السيارة

عندما انتهى المسعف أحمد العالي من نوبة عمله وكان في طريقه إلى المنزل، تلقى اتصالًا حال وصوله منزله من أحد أصدقائه يخبره بوجود رجل في العقد الخامس من عمره وهو في حالة إغماء بالقرب من بنك البحرين الوطني في عالي، فتوجه إلى المكان من فوره مصطحبًا حقيبة الإسعافات الأولية والأجهزة الخاصة بالإسعاف، وحال وصوله اكتشف أن قلب المصاب قد توقف عن العمل، فسارع بإخراجه من سيارته التي بقي فيها مدة عشرين دقيقة تقريبًا دون أن يشعر به أحد، وقام بعمل الإنعاش القلبي الرئوي حتى وصول سيارة الإسعاف، ومع المحاولات لإسعافه، إلا أن قضاء الله وقدره كان محتومًا.

ويصف العالي أن المؤلم في الأمر بعد المتابعة مع الطب الشرعي أن المصاب تعرض لنوبة سكر حادة أدت إلى إصابته بالسكتة القلبية.

كنت آمل ألا يموت!

يعود المسعف علي حسن عبدالله بذاكرته إلى العام 2017 مع أول حالة إنعاش قلبي يقوم بها لأحد الأشخاص، وكان في ذلك اليوم متوجهًا من البسيتين إلى مدينة حمد، وعلى شارع الشيخ خليفة بن سلمان، رأى ازدحامًا فأوقف سيارته على جانب الشارع ليرى شخصًا ملقىً على الأرض والناس تطلب الاتصال بالإسعاف والبعض يسأل عمن صدمه، وفي تلك اللحظة سألت إن كان من بين المتجمهرين من لديه رخصة إسعاف لمساعدتي، وعندما بدأت العمل اكتشفت عدم وجود نبض أو تنفس لدى المصاب.

يقول “علي” مستعيدًا شريط ذكريات الحادثة: “بدأت عملية الإنعاش القلبي الرئوي عن طريق الضغطات الصدرية لمدة تتراوح بين 17 إلى عشرين دقيقة وكنت آمل ألا يموت أي مصاب بين يدي وأن أساهم في إنقاذ حياته، ووصلت دورية للشرطة وسألني أحدهم هل أنت مسعف، فقلت له نعم.. فساعدني بإحضار جهاز إيقاف الرجفان البطيني لديهم في الدورية، فاستخدمته وصعقت الشخص مرتين دون فائدة أو استجابة، إلى أن وصلت سيارة الإسعاف واستمرت عملية إنعاش المصاب، وما هي إلا لحظات حتى غطوه بالرداء وأنا واقف أراقب الموقف بأسى، فهذه أول حالة أباشرها، وهذا ما جعلني أسجل في دورتين للإسعاف المتقدم وأنضم إلى دورات متخصصة، فأنا أؤمن بأن كل من لديه رخصة مسعف يمكن أن يكون في يوم من الأيام سببًا في إنقاذ روح بني آدم، إلا أنه بالنسبة لتلك الحالة، فمشيئة الله سبحانه وتعالى لم تكتب له عمرًا جديدًا.

إصابة بليغة في الرأس

أثناء تواجده في إحدى الدورات المحلية لكرة القدم، سارع المسعف علي حسين الجفيري لإسعاف أحد اللاعبين، حيث لم يكن هناك أي طاقم إسعافي متواجد في تلك الدورة، وحال وصوله للمصاب وجد إصابة بليغة في الرأس، واستعان بأحد أصدقائه لإحضار حقيبة الإسعافات الأولية من سيارته ليسعف المصاب بإيقاف النزيف من الجرح العميق، وتم الاتصال بالإسعاف، وأخبرنا الموظف وقتها بأن هناك ضغطًا كبيرًا على قسم الإسعاف، وأن السيارة قد تتأخر، فقررت وقتها نقل المصاب إلى قسم الطوارئ، وكان الأطباء ينتظرون وصولنا؛ لأنني أخبرتهم عن الحالة بالتفصيل عبر اتصالي بهم ونحن في الطريق، وتم إدخاله إلى قسم الإنعاش لعمل اللازم واستقرت حالته، وبشهادة الطبيب الاختصاصي أنه لولا لطف الله وحصوله على الإسعاف اللازم في الوقت المناسب لما قدر له النجاة.

يختم الجفيري كلامه بالقول: “لقد ترك هذا الأمر ثقة كبيرة في نفسي، ومنذ تلك اللحظة وأنا أشارك في الفعاليات والبطولات المحلية كمسعف على أمل أن أكون سببًا في إنقاذ حياة من يحتاج للمساعدة”.

إصابة امرأة في حادث مروري

تتحدث المسعفة ابتسام علي إبراهيم عن إسعاف العديد من الحالات طوال فترة عملها التطوعي في هذا المجال، وذلك على الصعيد الأسرى والمجتمعي، لكن الحالة التي تركت أثرًا في نفسي – والحديث لابتسام - هي إسعاف امرأة في حادث مروري كانت إصابتها بليغة جدًا في الوجه، ولوجود حقيبة الإسعاف معي أجريت لها الإسعافات الأولية لحين وصول سيارة الإسعاف، أما الحادثة الأخرى، فقد أسعفت رجلًا في حاديث مروري على شارع الجنبية، وفي رأسه جرح كبير ينزف بغزارة، وكان الناس المتواجدون يضعون أوراق المحارم ويجففون الدم، فقمت بإسعافه بإيقاف النزيف وربطت رأسه إلى حين وصول سيارة الإسعاف وقد توقف النزيف؛ لأنه فقد كميات كبيرة من الدم ووصل إلى حالة إغماء بسبب ذلك النزيف، وأتذكر أيضًا أنه على شارع البديع، تعرضت امرأة لحادث مروري باصطدامها بنخلة، فكان نصف جسمها في السيارة والنصف الآخر خارجها، ومع أنها كانت تصرخ من شدة الألم، إلا أنها كانت قلقة جدًا لسبب أن السيارة ليست ملكًا لها! أي أنها كانت بين ألم الإصابة وألمها النفسي مما حل بسيارة صاحبتها، لكننا قمنا بتهدئتها وبحمد الله على سلامتها، وأن كل شيء يتعوض والأهم قيامها بالسلامة.

مصابان يصرخان ألمًا

مواقف كثيرة صادفت المسعف جمال سالم العزيز في حياته، لكنه يقول: “الموقف الذي شجعني لأن أتعلم الإسعافات الأولية وأطور نفسي، هو أنه قبل 7 سنوات انقلبت سيارة على شارع الجنبية، وكانت لدي حينها خلفية في الأسعافات الأولية من متابعتي للفيديوهات التعليمية واليوتيوب، وكان أمامي اثنان من المصابين يصرخان من الألم وكان لابد من التصرف السليم لمساعدتهما”.

ويواصل “جمال”.. كان الأول مصابًا في عمود الفقري، أما الثاني، فقد كانت يده تنزف وعظمة اليد خارجها، وقد وافق أحد الشرطة على أن أساهم في الإسعاف، لكنني كنت في غاية الارتباك، حيث كان المتواجدون ينظرون إلي.. كانت لدي حقيبة إسعافات في سيارتي وطلبت من أحد المتواجدين أن يثبت رأس المصاب، وبدأت في إسعاف يد المصاب الذي كان يتألم بشدة، وواصلت إسعاف الإثنين لحين وصول سيارة الإسعاف”.

منذ ذلك الحين، قررت أن أطور نفسي، وواصلت العمل والتحقت بدورات تدريبية، لكنني لم أقف عند حد هذا،  بل واصلت والتحقت بدورات متقدمة إلى أن أصبحت مدربًا دوليًا وأحرزت عدة شهادات في التدريب من عدة منظمات دولية، وبعدها دخلت دورة فني إسعاف طوارئ لمدة 7 أشهر وأنا اليوم أدرب الناس وأشارك في إسعاف المصابين في الحوادث وغيرها.

تلك كانت “عينة من القصص”.. وفق الله المسعفين لإنقاذ حياة بعض المصابين، ونزل قضاء الله المحتوم على البعض الآخر، إلا أنهم في كل الحالات، كتبوا في ديوان حياتهم لحظة بادروا فيها بأجمل معاني الإنسانية لتقديم المساعدة ونالوا ثواب هذا العمل العظيم.