+A
A-

يجب أن يرتقي الإعلام لتطلعات المرأة في المجتمع

يرتبط واقع المرأة بشكلٍ كبير بالصورة الذهنية التي تشكلت عنها عبر وسائل الإعلام، والتي كرّست ثقافة الجسد والأدوار الثانوية لها في الحياة، وألغت وجودها بوصفها إنسانة في كثيرٍ من المواد الإعلامية والإعلانية عبر اختزال وجود المرأة إلى جانب الجمال، الاستهلاك، اللامبالاة وعدم الفاعلية، فتصبح مجرد شيء يستخدم ويستهلك. وعلى الرغم من تزايد عدد النساء العاملات في المجال الإعلامي، ما زالت الصورة الذهنية التي ابتدأت من القرن السابق هي المسيطرة على واقع المرأة.
لكن من يتتبّع واقع المرأة الخليجية خاصة يجد الكثير من الأسماء اللامعة لنساءٍ قدّمن تجارب فريدة، ونماذج بناءة، ليس على مستوى الخليج فقط وإنما على مستوى عالمي، وهذا يجعل من مصداقية الصورة الذهنية المنتشرة في كل مكان حول المرأة محض تساؤلٍ نقدي وجاد حول من المسؤول في تشكيل تلك الصورة؟ وماهي السلبيات المترتبة على انتشار النظرة النمطية للمرأة في المجتمع؟ وما مسؤوليتنا نحنُ كنساءٍ وإعلامياتٍ في آنٍ واحد حول تغيير هذه النظرة المجتمعية؟.
وفي هذا الصدد، أجرينا مقابلات مع طالبات الإعلام في مختلف تخصصاته، واتّفقن على أن الصورة النمطية للمرأة لا تنعكس على واقعها فحسب، بل تخلق عنها صورة مزيفة، تؤثر بشكل كبير على فهم المرأة لنفسها، وفهم المجتمع لها، ورغم تزايد عدد العاملات في الحقل الإعلامي ما زال الإشكال هي المسيطرة، لننتهي بعدة نتائج تساهم في حل الإشكال.
أرفض الفكرة النمطية المغلوطة عن المرأة
فقد أسهمت الطالبة فاطمة الماجد بقولها: “يجب الحد عن الإسهام في ظهور المرأة بشكلٍ يقلل من دورها الاجتماعي، والكف عن تقليص دورها وتهميشها في أدوارٍ ليس هدفها إلا الترويج والتسويق لفكرة أيدلوجية تنافي الواقع، فالمرأة اليوم اجتازت الأدوار الروتينية وحطمت الأرقام القياسية حتى استوطنت القمة في جميع المجالات، وحصلت على امتيازات مبهجة، فالمرأة لم تكن ولن تكن مجرد جسد وهين، إنما هي قلب المجتمع وسيدته الأولى”. وأرى أنه من دورنا كإعلاميات وصانعات أجيال يتوجب علينا إيصال رسالة إلى المجتمع، هي أن المرأة عظيمة جداً، لا ينحصر دورها أبداً في المهام المنزلية فقط، فتجدها سياسية، محامية، طبيبة، مهندسة ومعلمة وحتى إعلامية بإمتياز، فلا نقبل بالفكرة النمطية المغلوطة للمرأة في دور الضحية، ولا نشارك في أي دور يقلل من قيمة المرأة وكينونتها.
الإعلامية الحقيقية تهتم بالعمق قبل السطح
ومن جانبها، قالت الطالبة فاطمة كاظم: “المسؤول الأول في تشكيل تلك الصورة المغلوطة هي المرأة نفسها، والتي اتخذت من الجانب الإعلامي مفهوماً خاطئاً حتى قاموا بنشر صورهنّ غير المحتشمة بغرض الشهرة فقط، متناسين عادات وتقاليد المجتمع الخليجي الذي يحرص كل الحرص على قيمة المرأة الثمينة.  ومن أعظم سلبيات تلك الأفعال غير المدروسة، هو جعل البعض لتلك النساء قدوات لهن، وما هنّ إلا دمى متحركة دون وعي وثقافة وإدراك، الهدف الأول والأخير لهنّ هو الأموال والشهرة بغيرٍ دافع حقيقي لها.  وبدوري أنا تجاه كل ذلك، هو الإسهام في رقي الجانب الإعلامي بعلمي، ثقافتي، احتشامي ومحافظتي على عاداتي وتقاليدي لدحض تلك الصورة السلبية التي تكرست في أذهان المجتمع، فالإعلامية الحقيقية هي التي تهتم بالعمق قبل السطح. وذكرت الطالبة زهراء أبورويس: دائماً ما كانت المرأة مصدر قوة، ولكن كثيراً ما حاولت وسائل الإعلام إظهارها كمخلوق ضعيف وضعيف جداً في تبني همومها، فركزت معظم البرامج الأسرية والتربوية الهادفة في استضافاتها على الرجال غالباً، فتكون فاقدة إلى موضوعية الطرح.
 فينبغي على وسائل الإعلام ربط الواقع النسائي بسياسات جديدة تساهم في حل الإشكال، كضرورة تفعيل دور الإعلاميات حيث يقمن بدورهنّ على أتم وجه، واثبات فاعليتها وجدارتها في خلق بيئة للنقاش الجاد والبنّاء حول قضايا المرأة، كون تلك الوسائل تتيح للمرأة فرصة التفاعل المباشر في عرض وجهة نظرها وهمومها الواقعية مباشرة، دون تأثير من قبل السياسات الإعلامية.
وسائل الإعلام تكرس النظرة التقليدية
وقالت آمنة حسين: مما زاد تلك الفجوة أن معظم وسائل الإعلام تكرس هذه النظرة التقليدية للمرأة، وتعمل على مناقشة نفس القضايا المتعلقة بشؤون الأسرة، فنون الطبخ وأدوات التجميل، دون أن تتطرق إلى المشاكل الحقيقية التي تعاني منها المرأة كغياب الحقوق والحريات في مجال العمل والسياسة.
إضافة إلى أن معظم تلك الوسائل لا تناقش القضايا المعاصرة التي تعاني منها المرأة كقضايا التحرش الجنسي، كون هذه القضايا تدخل في الكلام الممنوع من النشر أو العرض، إلا أن وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دوراً إيجابياً في الوقت الراهن بشكلٍ يقلص سطوة وتأثير الإعلام التقليدي الذي يخضع لسياسات معينة لا تتفق مع ما يتطلبه واقع المرأة من نقاش جريء واضح وموضوعي لكثير من القضايا المجتمعية، فنحن بحاجة اليوم إلى فضائيات تعالج الواقع الحقيقي للمرأة في المجتمع، الواقع الحي الذي تواجهه يومياً.
الأفلام ركزت على الملامح الأنثوية
وعلقت الطالبة أنوار عبدالكريم: “دائماً ما ارتبطت الصورة الخاصة بالمرأة بالتركيز على الملامح الأنثوية كعنصر جذب، وقدمت صور مبالغ فيها للمرأة حتى وضعتها في دوائر غير مشروعة، إلى أن فرغتها من مزاياها الإنسانية فأصبح الشكل الغالب عليها هو الجشع، ثم أظهرت بعض الأفلام السينمائية وجود عنف من جانب الأزواج في شكل اعتداء بالسب والضرب، وكذلك عنف من زملاء العمل والجيران”.
وإن قدمت أفضل من ذلك، قدمتها ذات دور هامشي وغير مؤثر كالابنة التي لا تظهر إلا عروس تتزوج أو تنتظر عريساً مفروضاً عليها في معظم الأحيان، أو في شخصية الزوجة المقهورة، ونادراً ما ظهرت المرأة كإنسانة مستنيرة متعلمة تسهم في رقي مجتمعها.
فعلى الرغم من ظهور صورة للمرأة العصرية العاملة المبدعة، ضاعت تلك الصورة في وسط الصور السلبية المتعددة للمرأة، فنحن اليوم بحاجة إلى أعمال درامية تنفض تلك الصور بعيدا عن أحداث أعمالها المتكررة، لتظهر تلك المرأة في أرقى صورة، فنحن اليوم بحاجة إلى تحسين نظرة كل امرأة عن ذاتها، والابتعاد عن كل ما يحصر دورها وعطاءها، ويبين أنها كائن ضعيف ليس له القدرة على إسناد نفسه بنفسه.
الأفكار الموروثة وراء الصورة الذهنية
ثم تابعت الطالبة مريم جمعة: كما يعود سبب انتشار هذه الصورة الذهنية للمرأة إلى الأفكار الموروثة في المجتمع، والتي تنظر إليها على أنها أقل مقداراً من الرجل، فالتنشئة الاجتماعية تغرس في ذهن النساء أنهن مخلوقات ناقصات، وأن أدوارهن ثانوية، ولا تأثير لهن على الواقع، وبسبب تلك التعبئة تقف المرأة ضد نفسها في كثير من المشاريع.  وعلى الرغم من إثبات المرأة وجودها في عديد من المجالات كالتعليم، الصحة والعلوم وحتى المجال العسكري، إلا أن الفكر السائد في المجتمع يصر على تصغير شأنها، فلا نجد في وسائل الإعلام العربية صورة للمرأة المتوازنة القادرة على أن تكون أماً حقيقية وصاحبة طموح، رغم أن ذلك لا يتناقض مع دورها كأم، فدور المرأة كفاعل اجتماعي لا يقل أهمية عن دورها كأم، فهي وسائل لم ترق بعد للموازنة بين التغيرات التي طرأت في واقع المرأة وبين حقيقة أدوارها.
فحين نؤمن أن المرأة ليست عنصراً ثانوياً، سيرتقي المجتمع فكرياً وأخلاقياً، بل سوف تتشجع النساء على الإنجاز، فكم وقفت الصور النمطية الخاطئة حاجزاً منيعاً أمام إنجازات المرأة؟ وكم قلّلت من ثقتها بنفسها.
ولكن كثيراً ما كانت المرأة تفرض احترامها وتقديرها من خلال إنجازها، ومن هنا تأتي أدوارنا نحن النساء بشكلٍ عام والإعلاميات منا بشكلٍ خاص في نشر الصورة الصحيحة من خلال صناعة المضمون الداعي لذلك، والخطابات التوعوية التي نستطيع تقديمها إلى فئة الطالبات.
وختمت الحديث الطالبة نيفين عبدالرحمن قائلة: تكونت الصورة النمطية من القرون التي سبقت الإسلام، فكثيراً ما تعاملوا مع المرأة بظلمٍ واضطهاد، وهدروا حقها لتكون صورتها في الهيئة الضعيفة المهزومة التي لا تستطيع تولّي المسؤوليات الكبيرة على عاتقها، بحجّة أن الرجل هو الأقوى في مقابلها.
فكل هذه الظواهر دفعت المجتمع للاستهانة بقدراتهن، وجعلتهن مكتفات الأيدي خوفاً من العادات والتقاليد التي قيدت أفكارهنّ الإبداعية وباعدت بينهنّ وبين طموحاتهن، ليصبح المجتمع مجتمع قائم على سواعد الرجال غير معترفين برغبات المرأة في مشاركة مجتمعها ما تحلم به.
ونحن اليوم كنساء نستطيع أن نغير وجهات النظر هذه إذا تكاتفنا جميعاً، ودعمنا بعضنا، وآمنّا بأنفسنا أولاً ثم بقدراتنا، لنصل إلى ما وصل إليه الرجل ونتعداه، حيث أصبحت المرأة اليوم في مناصب عليا، وهناك من النساء العربيات اللاتي أبدعن في اختراعاتهن وإبداعاتهن، فيوماً بعد يوم تقوم المرأة الخليجية بإثبات نفسها للمجتمع.


تحقيق: زينب محمد
طالبة إعلام في جامعة البحرين