+A
A-

تبني التغيير التكنولوجي باعتباره محفزا للابتكار

الأثر الذي تتركه المبتكرات التكنولوجية في اقتصاديات الدول تصل لحد إحداث نقلة نوعية للخدمات والمنتجات في تلك الدول وذلك في شتى القطاعات والجوانب الاقتصادية والحياتية، وهذا أمر رأيناه يحدث في مختلف أرجاء العالم. وهنا في دول مجلس التعاون الخليجي نحن لسنا بمعزل عن هذه التطورات، حيث أصبحت التوجهات نحو ترسيخ التكنولوجيا دعامة رئيسية لتحقيق التحول نحو اقتصاد رقمي نوعي من شأنه أن يخلق المزيد من الفرص الجديدة في دول المنطقة. فلا عجب أن تتصدر التكنولوجيا جدول أعمال مؤتمر بوابة الخليج، وهو المنتدى الاستثماري رفيع المستوى الذي احتضنته البحرين في مايو المنصرم حيث شارك في أعماله متحدثون يمثلون قطاع التكنولوجيا بدءً من تيريزا كارلسون من شركة أمازون لخدمات الويب، وحتى ديليب راو من شركة “ريبل”. ومع ازدياد المبادرات المحفزة للابتكار التي جرى الإعلان عنها خلال المؤتمر فإن تأثير التكنولوجيا ألقى أثره بوضوح على ما تم طرحه وتداوله من خطط بشأن مشروع خرائط ثلاثية الأبعاد عالية الدقة ونظام تسجيل المركبات القائم على تقنية “البلوك تشاين”. وبدا جليا بروز البحرين على المستوى الإقليمي كدولة رائدة في مجال التحول الرقمي، وذلك بعد أن تبنت التكنولوجيا منذ فترة طويلة للمساهمة في دفع عجلة النمو الاقتصادي، وتسريع التنوع الاقتصادي وخلق فرص العمل، حيث سارعت المملكة في السير بخطى حثيثة من أجل تعزيز بيئة التشغيل للأعمال التجارية القائمة على التكنولوجيا. وقد أدركت البحرين في وقت مبكر أن نمو القطاع التكنولوجي مرتبط بتفعيل المنافسة الفاعلة في قطاع التكنولوجيا وأن يتم كسر احتكار الشركات المملوكة للدولة، وهو ما جعل من المملكة أول الدول في منطقة الخليج التي تبادر إلى تحرير قطاع الاتصالات لديها. وقد وضعت مثل هذه الإجراءات حجر الأساس لنجاح وتميز البحرين في قطاع التكنولوجيا وذلك مع تصنيف الأمم المتحدة لمملكة البحرين باعتبارها الدولة الخليجية التي تتمتع بأفضل بنية تحتية للاتصالات.

في البحرين يقوم القطاع الخاص بريادة الأعمال مدعوماً ببيئة تنظيمية محفزة للنمو في جميع مجالات القطاع التكنولوجي، وهو ما حدا بشركة أمازون لخدمات الويب أن تعلن مؤخرأً عن أول منطقة لعملياتها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا انطلاقاً من البحرين. وتقدر شركة أمازون بأنه ستكون هنالك حاجة إلى 10 الاف مهندس لحلول البيانات في جميع أنحاء المنطقة في السنوات الخمس المقبلة. ويعد تسجيل أكثر من 2300 شاب بحريني في برامج أمازون التعليمية مؤشرا آخر على مدى اهتمام وتطلع الشباب في المملكة لسلك وتبني التوجهات التعليمية والوظيفية الجديدة، وهو معدل تسجيل يتجاوز حتى المعدلات النسبية في الصين والهند.

وأولت البحرين اهتماما شديدا لاحتياجات الشركات والمشاريع الناشئة في المراحل الأولى في القطاع ولا سيما ما يتعلق بتحسين إمكانية الحصول على التمويل المالي. وكان من بين أبرز الإعلانات الرسمية في مؤتمر بوابة الخليج هو ما يرتبط بإطلاق صندوق الصناديق - الواحة، وهو صندوق مخصص لرأس المال الاستثماري يهدف إلى جذب رؤوس الأموال الاستثمارية وتعزيز البيئة الداعمة للشركات الناشئة في المنطقة.

وتواكبت هذه الإعلانات مع الدعم الكبير الذي يحظى به الاستثمار في قطاع التكنولوجيا في المملكة، حيث شهدنا في العام الماضي إطلاق مبادرة البيئة الرقابية التجريبية من قبل مصرف البحرين المركزي وهي البيئة الرقابية التجريبية الوحيدة من نوعها على مستوى المنطقة التي ستتيح للشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية أن تجرب انطلاقتها وتطوير أعمالها قبل الدخول إلى السوق. كما تم في فبراير الماضي إطلاق مبادرة خليج البحرين للتكنولوجيا المالي والذي يعتبر أكبر مركز للتكنولوجيا المالية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والذي يساعد على تطوير مستوى التعاون بين القطاعين العام والخاص نحو بلوغ مراحل نوعية في ما يتعلق باحتضان مؤسسات التكنولوجيا المالية وتطوير أعمالها.

وأعلنت مسرعة الأعمال “فلات6 لابز” بالشراكة مع صندوق العمل “تمكين” عن إطلاق مسرعتها السادسة على مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في البحرين، وذلك لدعم أكثر من 40 من الشركات الناشئة البحرينية والعالمية في الثلاث سنوات المقبلة، حيث تشكل “فلات 6 لابز” أحدث إضافة لمحفظة البحرين من مسرعات الأعمال ذات السمعة المرموقة والتي تقع من ضمنها “سي5” و”برينك”.

وبالإضافة إلى الدور الكبير الذي قام به القطاع الخاص، فقد أدركت حكومة مملكة البحرين ما توفره التكنولوجيا من قيمة وفرصة مهمة لزيادة الكفاءة وخفض التكاليف، حيث انتهجت الحكومة سياسة الحوسبة السحابية للمملكة التي شهدت حتى الآن ترحيل أكثر من 40 من الأنظمة والخدمات الحكومية بنجاح لتندرج ضمن منظومة السحابة وذلك باستخدام أكثر من 480 خادم مرتبط بشركة أمازون لخدمات الويب.

وينعكس نجاح هذا البرنامج المدفوع من قبل هيئة المعلومات والحكومة الالكترونية في البحرين من خلال التصنيف المرتفع والمستمر للمملكة في المسوحات لتقييم الحكومات الإلكترونية على مستوى العالم، حيث لطالما كانت البحرين رائدة في تبني التغيير الذي أحدثته التكنولوجيا، إذ تتواصل الجهود المبذولة لتعزيز البيئة الداعمة لشركات التكنولوجيا على قدم وساق، ومن خلال استفادة الحكومة من الابتكار في أنظمتها الخاصة فإنه من المتوقع أن تواصل البحرين تعزيز مكانتها كأحد مراكز التكنولوجيا البارزة في المنطقة.

 

جون كيلمارتن

المدير التنفيذي لتطوير الأعمال - تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بمجلس التنمية الاقتصادية