العدد 6051
الجمعة 09 مايو 2025
banner
مناهج الذكاء الاصطناعي.. من الروضة
الجمعة 09 مايو 2025

 أعلنت حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة مؤخرًا، في خطوة وُصفت بالتحول الجذري نحو “تعليم المستقبل”، اعتماد إدراج مادة “الذكاء الاصطناعي” في كل المراحل التعليمية، من رياض الأطفال حتى الصف الثاني عشر، اعتبارًا من العام الدراسي المقبل، وبهذه المبادرة تكون الإمارات أول دولة خليجية – وربما عربية – تضع الذكاء الاصطناعي في قلب المنظومة التعليمية، وهي خطوة تستحق الوقوف عندها كثيرًا.

إن الذكاء الاصطناعي لم يعد ترفًا تقنيًّا، بل أصبح لغة العصر، ومحركًا رئيسًا للتطور في مختلف المجالات، من الطب إلى الإعلام، ومن الاقتصاد إلى التعليم، وإدخاله في المناهج الدراسية منذ المراحل المبكرة ليس فقط قرارًا استباقيًّا، بل ضرورة حتمية لمواكبة عالم يتغير بسرعة تفوق قدرتنا على التوقع.

وقد غرد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة حاكم دبي في منشور عبر منصة “إكس” بـ “هدفنا تعليم أطفالنا وأجيالنا الفهم العميق للذكاء الاصطناعي من الناحية الفنية.. وترسيخ وعيهم أيضًا بأخلاقيات هذه التكنولوجيا الجديدة، وتعزيز فهمهم بياناته، وخوارزمياته، وتطبيقاته، ومخاطره، وكيفية ارتباطه بالمجتمع والحياة.. مسؤوليتنا هي تجهيز أطفالنا لزمن غير زماننا.. وظروف غير ظروفنا.. ومهارات وقدرات جديدة تضمن استمرار زخم التنمية”.

لا شك أن لهذه الخطوة مزايا عديدة أهمها إعداد الطلبة لوظائف المستقبل التي تقوم على تقنيات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات، وتنمية التفكير النقدي والمنطقي، وتحويل الطالب من متلقٍ إلى باحث ومكتشف، وتقليص الفجوة الرقمية بين المدرسة وسوق العمل. بالإضافة إلى بناء جيل منتج تقنيًا.

لا شك أن المسار ليس سهلًا. فهناك تحديات لا يمكن تجاهلها، مثل مدى جاهزية المعلمين، وضرورة تبسيط مفاهيم الذكاء الاصطناعي بما يتناسب مع أعمار الطلبة، وضمان توفر البنية التحتية الرقمية في جميع المدارس بعدالة.

والسؤال الذي يطرح نفسه.. هل يمكن للبحرين أن تتبنى هذا النموذج؟

أرى أن البحرين قادرة على ذلك، لكن ذلك يتطلب خطة مدروسة تبدأ بتدريب الكوادر التربوية، وتطوير مناهج تتدرج في الطرح بدءًا من المرحلة الإعدادية، مع محتوى مبسط للمرحلة الابتدائية، وصولًا إلى تعميمها على نطاق أوسع.

التقنية ليست عائقًا، فالمملكة سبّاقة في مشاريع التعليم الرقمي، لكنها بحاجة إلى رؤية واضحة تجعل من الذكاء الاصطناعي جزءًا من الهوية التعليمية لا مجرد مادة جديدة.
وهنا ننتقل إلى سؤال أعمق: ما مصير الإبداع البشري في ظل هذا التقدم المتسارع؟

وهل تهدّد أدوات الذكاء الاصطناعي الموهبة البشرية؟ أم تفتح أمامها آفاقًا جديدة؟

في الحقيقة، ومن وجهة نظري الشخصية أن الذكاء الاصطناعي قد يكون عاملًا محفزًا للإبداع إذا وُضع في الإطار الصحيح. نعم، يمكنه أن يرسم لوحة، أو يكتب مقالة، أو يؤلف موسيقى، لكن يظل ينقصه الشيء الجوهري: “الروح البشرية”.

الموهبة لا تموت، بل تتطور. وتبقى الأصالة، والتجربة الشخصية، والمشاعر الصادقة، أشياء لا تُقلَّد آليًّا.

ولأننا نُدخل هذه الأدوات إلى عقول الأطفال، فلابد من غرس منظومة قيم متوازنة: الأمانة الفكرية، احترام الخصوصية، والتفكير النقدي. لا يكفي أن نعلم أبناءنا استخدام الذكاء الاصطناعي، بل يجب أن نعلمهم كيف ولماذا يستخدمونه، وتحت أية معايير أخلاقية.

الخلاصة.. إن دمج الذكاء الاصطناعي في التعليم ليس قرارًا تقنيًّا فحسب، بل هو أيضًا موقف ثقافي وأخلاقي. من يربّي جيلًا يعرف كيف يفكّر ويبدع في عصر التقنية، هو من يمتلك زمام المستقبل، أما من يتردد، فسيفاجأ بأن المسافة بينه وبين العالم لم تعد تقاس بالكيلومترات، بل بالأفكار التي لم تُغرس، والمواهب التي لم تُكتشف في وقتها.

*كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية