شهدت شوارع لندن، في 27 أبريل المنصرم، أحد أضخم سباقات الماراثون في العالم، بمشاركة تجاوزت 57 ألف متسابق من مختلف بقاع الأرض، وعلى الرغم من ضخامة الحدث وعدد المشاركين، إلا أن ما خطف الأنظار بحق لم يكن السرعة أو من فاز بالمركز الأول، بل ذلك الحضور الملهم من ذوي الهمم وكبار السن الذين لم تمنعهم الإعاقات أو التقدّم في العمر من أن يركضوا أو حتى يزحفوا نحو هدف نبيل.
لم تكن مشاركتهم استعراضًا للقوة البدنية، بل كانت إعلانًا صادقًا عن قوة الإرادة. رأينا رجالًا ونساءً، على كراس متحرّكة، وآخرين بساق اصطناعية، وغيرهم يتّكئون على عكّازات ويقطعون المسافات الطويلة بابتسامة وعينٍ لا ترى سوى خط النهاية رمزًا لتحقيق الذات والانتصار على التحديات. ومن بين المشاهد المؤثرة التي تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي رجل مسن تجاوز الثمانين يركض بهدوء، وسيدة كفيفة تقودها مرشدة، وطفل يعاني من الشلل الدماغي يُدفع على كرسيه ويشارك بابتسامة لا تغيب. كل واحد من هؤلاء كان درسًا في الصبر، ورمزًا للقوة، وتجسيدًا للمعنى الحقيقي للماراثون وأنه ليس سباقًا للجسد، بل رحلة للروح.
إن مشاركة ذوي الهمم وكبار السن في هذا الحدث لا تنبع من رغبة في الظهور أو المجاملة، بل من إيمان بأن الجسد قد يُقيد، لكن الروح لا تُهزم. أرادوا أن يوجّهوا رسالة لكل من يظن أن الحياة توقفت عند عتبة الألم أو العمر: لا، ما دامت الروح تنبض، فالحياة مستمرة.
ماراثون لندن لهذا العام كان أكثر من مجرد حدث رياضي، لقد كان رسالة إلى العالم بأن الإنسان إذا امتلك الإرادة لا شيء يقف في طريقه، وأن القوة الحقيقية لا تُقاس بعضلات مفتولة، بل بعزيمة ترفض الانكسار.
لعلّنا نتعلّم من هؤلاء أن نسعى إلى أهدافنا بصدق، وألا نغفل عن أن التحديات ليست إلا محطات تعزز الإيمان بالنفس، وتزيدنا إصرارًا على بلوغ القمة، مهما كانت وعورة الطريق.
العبرة أن كثيرًا منّا وإن كان يتمتع بصحة جيدة ولا يعاني من مرض أو عاهة، يتردّد، بل يتقاعس عن المشاركة في الأنشطة والفعاليات الرياضية، متذرّعًا بعامل السن! بعضهم لم يبلغ حتى الخمسين ويعتقد أنه لم يعد قادرًا على المشاركة. نحن للأسف أمة تميل إلى السلبية والاتكالية، ونضع دائمًا العراقيل والحجج الواهية لتبرير عزوفنا عن الفعل والمبادرة.
فكما ذكرت آنفًا، إذا كان كبار السن الذين تجاوزوا السبعين، وذوو الهمم، قد تمكّنوا من خوض السباق، فما عذرنا نحن؟
إنها رسالة أوجهها لنفسي أولًا، ثم لكل من يقرأ هذه الكلمات: لابد من الالتزام بالرياضة، وعدم السماح لأي عذر بأن يمنعنا من ذلك. كما ينبغي أن نخلق الوقت، لا ننتظره لممارسة النشاط البدني الذي يحسن صحتنا، ويحمي أجسامنا من الأمراض المزمنة. أتمنى أن تصل رسالتي.
كاتب وإعلامي بحريني