العدد 6042
الأربعاء 30 أبريل 2025
في عيدهم.. العمال صناع الوطن
الأربعاء 30 أبريل 2025

 في الأول من مايو من كل عام يقف العالم وقفة تقدير واعتراف بدور الطبقة العاملة في مسيرة الحضارة والنهضة، وهو اليوم الذي يُعرف بـ “عيد العمال العالمي”، حيث تعود جذوره إلى أواخر القرن التاسع عشر، حين خاض العمال في الولايات المتحدة الأميركية معارك نضالية شاقة للمطالبة بحقوقهم، وعلى رأسها تحديد يوم العمل بثماني ساعات، وهو ما تُوّج بإضرابات كبرى ومظاهرات، لاسيما في مدينة شيكاغو عام 1886، والتي شكلت الشرارة الأولى لهذا اليوم الذي أصبح فيما بعد رمزًا لنضال العمال في مختلف أنحاء العالم.
وفي البحرين، لم تكن الحركة العمالية بعيدة عن هذا الحراك العالمي، فقد شكّلت الطبقة العاملة البحرينية، منذ بدايات القرن العشرين، مكونًا حيويًّا في المجتمع، لاسيما خلال فترة الاستعمار البريطاني، حيث كان العمال في طليعة الحراك الوطني، يشاركون في الإضرابات والمظاهرات دفاعًا عن حقوقهم المهنية، مطالبين بالعدالة الاجتماعية ورافضين الهيمنة الأجنبية. وبرزت قيادات عمالية وطنية لعبت دورًا كبيرًا في تحريك الشارع، وتنظيم صفوف العمال، لتتحول المطالب المهنية إلى مواقف سياسية تتقاطع مع الحلم الوطني في التحرر والاستقلال.
ومع استقلال البحرين، لم يتوقف عطاؤهم، بل تحولوا إلى شركاء حقيقيين في بناء الدولة الحديثة، وواصل العمال البحرينيون أداء دورهم المخلص في النهضة الاقتصادية والاجتماعية، جنبًا إلى جنب مع الحكومة الرشيدة، حيث انخرطوا في جميع القطاعات، وساهموا في ترسيخ دعائم التنمية الشاملة.
ولا أحد ينكر دورهم الحيوي والمتميز في مسيرة التنمية الشاملة، وأثبتوا بأنهم على قدر كبير من المسؤولية والكفاءة والإخلاص والتفاني والولاء متى ما أعطيت لهم الفرصة.
وقد أولت القيادة البحرينية الحكيمة اهتمامًا خاصًّا بالطبقة العاملة، فتم إقرار الأول من مايو إجازة رسمية سنوية، وتُوّج هذا الاهتمام بالسماح بتأسيس النقابات العمالية في مختلف القطاعات، وهو ما عزّز تمثيل العمال وتمكينهم من الدفاع عن مصالحهم وفق الأطر القانونية. كما دأبت وزارة العمل على تنظيم احتفالية رسمية بهذه المناسبة كل عام، برعاية سامية من حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم، حيث يتم خلالها تكريم العمال المجدين والمخلصين في أداء واجبهم، تأكيدًا على تقدير الدولة لجهودهم وتضحياتهم.
ولعلّ من الجوانب المضيئة في تجربة العمل النقابي في البحرين، ما تقوم به المؤسسات الحكومية والخاصة من جهود حثيثة لتوعية وتثقيف وتدريب أعضاء النقابات، ورفع كفاءاتهم المهنية والنقابية، بما ينعكس إيجابًا على بيئة العمل بشكل عام. وقد باتت العلاقة بين الإدارات العليا والنقابات أكثر نضجًا وتفاعلًا، حيث يجري التواصل المباشر وعقد اللقاءات الدورية القائمة على الاحترام المتبادل والثقة المتبادلة، وهو ما يعزّز مناخ الحوار البنّاء ويخلق حالة من التفاهم حول القضايا العمالية. كما أن منح النقابات بعض الامتيازات وتحقيق مطالبها المشروعة لا يُعد ترفًا، بل هو استثمار في الاستقرار الوظيفي والنفسي للعاملين، ويعزّز فيهم روح الولاء والانتماء. وأحيانًا، لا تكون تلك الامتيازات مكلفة ماديًّا، بل هي تعبير عن تقدير الإدارة لجهود العاملين، فالقيادة الناجحة، كما يُقال، هي فن في المقام الأول، وفهمٌ عميقٌ لطبيعة الإنسان ودوافعه.
شخصيًّا عاصرت هذه التجربة في عملي السابق في إحدى أكبر الشركات الصناعية في المملكة، والتي بادرت وفور صدور الأمر الملكي وكانت الأولى في البحرين بتشكيل اللجنة المشتركة قبل تأسيس النقابات.
شخصيًّا توصّلت إلى قناعة أو نتيجة مهمة جدًّا وهي أن فن ودبلوماسية واحترافية الإدارة في التعامل واحترام الجانب العمالي هو جوهر الموضوع. فهناك الكثير من المطالب التي كانت بسيطة جدًّا ولا تحتاج حتى إلى مناقشتها ووضعها في جدول أعمال الاجتماع، حيث إنها من صلب عمل الإدارة وإداراتها المختلفة. هذا لا يعني أن الإدارة تتهاون بسياستها ومبادئها وقيمها والرضوخ للمطالب غير المشروعة أو غير المنطقية والتهاون فيما يخص الربحيّة والإنتاج والسلامة والأمن وضبط المصاريف والمحافظة على حقوق المساهمين.
 ليس دفاعًا عن إدارة الشركة، ولكن إحقاقًا للحق فإنها نجحت في خلق بيئة عمل رائعة وعلاقة متينة مع النقابة التي قامت بدورها بدعم جهود ومساعي الإدارة العليا، ووقفت معها في أصعب الظروف التي مرت بها الشركة بتقليل خسائرها المالية الناتجة عن الظروف الاقتصادية ووضع الأسواق العالمية في سنوات معينة، كما مثل أعضاء النقابة الشركة أحسن تمثيل من خلال مشاركاتهم الداخلية والخارجية.
 إن عيد العمال ليس مجرد احتفال، بل هو وقفة تأمل ووفاء لرجال ونساء لم يبنوا المساكن والمصانع فحسب، بل أسهموا في بناء الأوطان وصياغة المستقبل. فتحية للطبقة العاملة في كل مواقعها، وتحية خاصة للعمال البحرينيين الذين جسدوا المعنى الحقيقي للوطنية بالعطاء والعمل الدؤوب. وكل عام جميع العمال بألف خير.

كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .