نشرت الصحف المحلية تقريرًا عن منظمة “اليونسيف” بخصوص الوضع الصحي والمعيشي المأساوي الذي يعيشه الأطفال في السودان الشقيقة، وعلى الرغم من أنني لست كاتبًا سياسيًّا، إلا أنني آثرت على نفسي الكتابة عن هذا الموضوع من واقع إنساني بحت، بعيدًا عن السياسة. في مقالي اليوم سأتطرق إلى بعض القضايا المتعلقة بالإنسانية نتيجة ويلات الحروب والعنف الذي يتعرض له الإنسان الذي يعاني من تبعات هذه الجرائم التي لا ذنب له فيها ويدفع الثمن غاليًا!
طفلٌ يُقتل هنا، وآخر يُختطف هناك، وآخرون يُجبرون على حمل السلاح، وآخرون تُطفأ أعينهم إلى الأبد.. فهذا ليس مشهدًا من فيلم مأساوي، بل الواقع المزري الذي يعيش فيه أطفال السودان منذ عامين. فوفق ما أعلنته منظمة اليونيسف، ارتفعت الانتهاكات الجسيمة بحق الأطفال في السودان بنسبة 1000 %، رقمٌ لا يحمل فقط دلالة عددية، بل صرخة ألمٍ بحجم وطن. فهناك أكثر من 15 مليون طفل سوداني يحتاجون اليوم إلى مساعدات إنسانية، بحسب الأرقام الأممية.
إن هذا الرقم ليس مجرد إحصائية، بل ترجمة مرعبة لملايين القصص الموجعة. قصص لأطفال انقطعوا عن التعليم، وآخرين فقدوا ذويهم، ومئات الألوف لا يعلمون متى تكون وجبتهم القادمة، أو إن كانت ستأتي أصلًا. فنحن نتحدث عن أطفال، لا عن أطراف نزاع. عن أبرياء، لا عن أصحاب قرار. عن وجوه صغيرة لا تعرف للكره معنى، ومع ذلك يدفعون ثمن الحروب التي لم يختاروها، ولم تكن لهم فيها لا ناقة ولا جمل. وفي المقابل، حيث يُفترض أن يكون الأطفال في غزة في مأمن، تحولت الحياة إلى كابوس دائم. منذ أكتوبر 2023، قُتل أكثر من 13,000 طفل، وتعرض آلاف آخرون لإصابات خطيرة وبتر أطرافهم.
تُوفي العديد منهم بسبب الجوع أو نقص الرعاية الطبية، في ظل حصار خانق يمنع دخول المساعدات الإنسانية. فقد وصفت اليونيسف الوضع بأنه “حرب على الأطفال”، مؤكدة أن غزة أصبحت “أخطر مكان في العالم على الأطفال”.
وفي عالم مزدحم بالأزمات، يبدو أن السودان وغزة باتا منسيين. لكن السؤال الصعب هو: هل فقدنا نحن أيضاً الشعور؟ متى توقفنا عن الاهتمام؟ متى أصبحت الكوارث اليومية مشاهد نمرّ عليها بلا اكتراث؟ متى بات الألم لا يُسمع إن لم يأتِ من قريب؟
إن ما يجري في السودان وغزة ليس مجرد شأن سياسي أو عسكري، بل هو في جوهره كارثة إنسانية، ومسؤولية أخلاقية للعالم كله. وهنا لا نحتاج إلى مؤتمرات ولا إلى قرارات دولية بقدر ما نحتاج إلى صحوة ضمير، وإلى صوت إنساني يُعلي نداء الطفل على ضجيج البنادق.
ربما لا نملك تغيير الواقع، لكننا نملك أن لا نتجاهله. نملك أن نكتب، أن نشهد، أن نُذكر الآخرين بأن خلف الأرقام وجوهًا، وخلف كل وجهٍ حلمٌ صغير، ربما بحبة دواء، أو مجرد حضنٍ آمن.
فلنتذكّر أطفال السودان وغزة، لا كأرقام في تقارير، بل كمرآة لإنسانيتنا. وإن كانت الحروب قد أطفأت النور في عيونهم، فلا أقل من أن نحافظ نحن على بصر قلوبنا.
ربي يحفظ أطفالنا، فلذات أكبادنا ويحميهم من كل سوء وشر يارب.
*كاتب وإعلامي بحريني