داخل دهاليز السياسة، هناك هزائم هادئة وقعها على القادة أشد من خسارة الحروب العلنية. خلال الأسابيع الماضية، تعرضت الولايات المتحدة لواحدة من أكثر الهزائم الدبلوماسية فداحة في تاريخها، كان بطلها الرئيس دونالد ترامب، وضحيتها صورة أميركا كقوة عظمى لا تقهر.
أثناء حملته الانتخابية، تعهد ترامب بإيقاف حرب أوكرانيا في يوم واحد إذا وصل إلى البيت الأبيض، ظنًّا منه أن مهاراته في إبرام الصفقات ستسعفه في إنهاء هذا الصراع. فتح ترامب خطًّا مباشرًا مع فلاديمير بوتين، واصطف إلى جانب الرئيس الروسي، ممتنعًا عن وصف موسكو بأنها المعتدية على أراضي جارتها الصغيرة، قبل أن يقترح مبادرة هدنة وافقت عليها أوكرانيا، لكن بوتين لم يتزحزح عن موقفه، واستغل تباين السياسة الأميركية بين بايدن وترامب في لعبة استهلاك الوقت، وإغراق الأخير في مستنقع الوعود الكاذبة.
مبادرة وقف إطلاق النار لمدة 30 يومًا التي روّج لها ترامب، قُوبلت بموافقة فورية من كييف، لكن بوتين تعامل معها ببرود، فيما بدا أن الكرملين لم يُقم وزنًا للجهود الأميركية في إنهاء أكبر صراع تشهده أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. سيد البيت الأبيض لجأ إلى مناشدات يائسة لدرجة أنه أعلن إمكانية الاعتراف بسيطرة روسيا غير القانونية على شبه جزيرة القرم، ما أظهر صورة رئيس دولة عظمى وكأنه يتوسل إلى الكرملين للتفضل بوقف القتال. لقد نجح بوتين في جرح هيبة واشنطن، بسبب قصر النظر الاستراتيجي للرئيس ترامب الذي يفكر فقط في الحصول على جائزة نوبل للسلام دون أن يعي أنه قدم لروسيا نصرًا معنويًّا.
واستفاق ترامب متأخرًا من وهم “الصداقة مع بوتين”، وأثار احتمال فرض عقوبات جديدة على روسيا بعد تواصل هجماتها على أهداف مدنية خلال الفترة الماضية.
قال ترامب صراحةً إن هذا “يجعلني أعتقد أنه ربما لا يريد (بوتين) إيقاف الحرب، بل يماطلني، ويجب التعامل معه بطريقة مختلفة”، ما جعل الرئيس الأميركي يدرك أخيرًا أن نظيره الروسي قد تلاعب به.
اليوم، بفضل التخبط في ملف أوكرانيا بالإضافة إلى قرارات أخرى اتخذها ترامب خلال أول 100 يوم من ولايته الثانية، بدا البيت الأبيض أقل وزنًا، وأميركا أقل هيبة، وزعيمها أقل إدراكًا لخيوط اللعبة.
كاتب بحريني