العدد 6024
السبت 12 أبريل 2025
banner
الترامبية القديمة الجديدة
السبت 12 أبريل 2025

في غمرة الحرب التجارية العاصفة التي شنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على دول العالم أجمع، والمتمثلة في رفع الرسوم الجمركية عليها، ومن ضمنها أقرب حليفاته في الغرب والعالم الثالث، بثت قناة DW الألمانية الناطقة بالعربية تقريرا إخباريا أواخر الشهر الماضي على درجة من الأهمية في دلالاته، ومفاده أن ثلاثة من الألمان اعتقلتهم سلطات الجمارك في مطار بوسطون، وبعد تدقيق بيانات وصولهم واستجوابهم تعرضوا لمعاملة قاسية لا إنسانية، بالرغم من أن أحدهم يعمل في بوسطون نفسها ولديه إقامة دائمة فيها، وقد أفاد بأنه تعرض لاستجواب في منتهى القسوة، وأُجبر على خلع ملابسه والاستحمام بماء بارد، وعندما تعرض للمرض تم تقييده في السرير، بينما أعادت السلطات الاثنين الآخرين إلى بلادهما! يحدث ذلك لمواطني دولة لطالما تباهوا بقوة جوازات سفرهم التي تتيح لهم دخول معظم دول العالم دون حاجة إلى تأشيرة مسبقة.

الأغرب من ذلك أن وزارة الخارجية الألمانية قللت من خطورة الحادث، لكن بعد انتشار الخبر بين أوساط الرأي العام الألماني اضطرت إلى رد غير مقنع، قائلة: إن التأشيرة أو بطاقة الإقامة الدائمة لا تمنح بالضرورة حاملها دخول الولايات المتحدة. لكن كثرة من المراقبين الذين تابعوا الحادث - حسب القناة نفسها - ربطوا تكرار حالات ما يحدث للألمان بأنه بمثابة ورقة ضغط عسكرية واقتصادية يوظفها ترامب للضغط على أوثق حلفائه للخضوع لابتزازاته. وفي اتصال للقناة مع الحقوقية ساندرا نافيدي صرحت بأن مثل هذه الاعتقالات لا تراعي حقوق الإنسان البتة، بل كثير منها تصل إلى مدة أسابيع دون أن يتمكن ضحاياها من التحدث إلى أقاربهم ولا توكيل محامين لهم.

وليست هناك حرية رأي للقادمين إلى المطارات الأميركية، إذ يتم تفتيش هواتفهم، فإذا ما اكتُشف فيها نقد لسياسات ترامب فلا غرابة إذا ما تعرضوا لمثل تلك الاستجوابات والمعاملات القاسية، بما فيها الاحتجاز طويل الأمد.

أن يحدث ذلك لمواطني دولة عربية أو إسلامية فهذا أمر لا غرابة فيه، فقد سبق أن حظر دخول مواطني سبع دول عربية وإسلامية إلى أراضي بلاده خلال ولايته الأولى، والآن تتدارس إدارته فرض حظر جديد على 43 دولة بينها دول عربية. وأن يحدث ذلك لمواطنين من أقرب حلفاء بلده كألمانيا وكندا بصفة خاصة، فهذا هو الذي بحاجة إلى تفسير. في الواقع ليس ثمة تفسير سوى أن المجتمع الدولي اليوم إزاء مذهب سياسي قديم جديد اسمه “الترامبية”، لكن الجديد فيه أنه بات أكثر تطرفا ووحشية منذ لحظة تولي ترامب زمام ولايته الحالية. منطق ترامب الذي ما فتئ يردده إما حرفيا أو ضمنيا: كل دول العالم مدينة لأميركا لأنها تدعم اقتصاداتها بلا مقابل! وعليها أن تدفع أو تتعرض لعقوباتنا، وبصفتنا الدولة الجبارة تكنولوجيا وصناعيا فنحن لسنا بحاجة للتوافق مع أية دولة أو إرضائها، بمعنى آخر انه منطق انعزالي مدفوع بالغطرسة، وهذا من شأنه إذا ما استمر طويلا أن يعرض الاقتصاد والسلم العالميين لمخاطر جمة. ولئن رأينا رد الفعل الألماني تجاه ما يتعرض له مواطنوها من انتهاكات فظة لأبسط حقوقهم كان ردا تبريريا مهلهلا فهذا لا يعني سوى الخضوع لسياسة ترامب.

والحال أن سياسات ترامب باتت أقرب إلى النازية، وسيظل متمسكا ما لم يتوحد المجتمع الدولي باتحاداته الإقليمية في مواجهتها، كالاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي والجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، وغيرها من المنظمات والتجمعات الإقليمية، بحيث يكون لها حد أدنى من التنسيق المشترك لصوغ موقف جماعي لمواجهة السياسات الترامبية التي أضحى المجتمع الدولي بأسره متضررا منها.

 

كاتب بحريني            

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية