أصدرت السلطات السعودية، ممثلة في وزارة الحج والعمرة، قرارًا رسميًّا يقضي بمنع اصطحاب الأطفال الصغار أثناء أداء مناسك الحج للعام الحالي، ويأتي هذا القرار حرصًا على سلامة الأطفال وتجنب تعرضهم لأي أذى نتيجة الزحام الشديد الذي يشهده موسم الحج سنويًّا، كما أصدرت وزارة الحج والعمرة قرارًا آخر يمنح الأولوية لأداء فريضة الحج هذا العام لمن لم يسبق له الحج، وذلك لتقليل الزحام وإتاحة الفرصة لمن لم يسبق لهم أداء هذه الفريضة.
قرار الشقيقة المملكة العربية السعودية بمنع اصطحاب الأطفال في الحج ومنح الأولوية للراغبين في أداء الحج أول مرة يعكس نهجًا عقلانيًّا وإداريًّا حكيمًا في التعامل مع أحد أكبر التجمعات البشرية السنوية في العالم، فالحج يمثل تحديًا لوجستيًّا كبيرًا، حيث يتطلب إدارة الملايين من الحجاج في مساحة محدودة وزمن محدود، والسماح بحضور الأطفال قد يضيف عبئًا إضافيًّا، ليس على العائلات فحسب، بل المملكة التي تُضطر إلى توفير الرعاية لهم، إضافة إلى البنية التحتية والخدمات المخصصة للحجاج، فالأطفال بطبيعتهم قد يكونون عرضة للتعب والإرهاق، ما يعرضهم لمخاطر صحية ويعيق بشكل كبير أداء ذويهم المناسك.
كما أن قرار إعطاء الأولوية لمن لم يحج يعكس روح العدالة وتكافؤ الفرص، ويعد خطوة إيجابية لضمان أن يتمكن أكبر عدد ممكن من المسلمين من تحقيق هذا الركن العظيم من أركان الإسلام، خصوصًا في ظل محدودية الأعداد المسموح بها للحج كل عام. هذا التوجه يسهم في الحد من تكرار الحج من البعض على حساب آخرين ينتظرون دورهم لسنوات.
من وجهة نظري الشخصية الحج ليس مجرد طقس ديني، بل هو تجربة روحانية تتطلب تركيزًا وهدوءًا وخشوعًا للتفرغ للعبادة، ولا شك أن تقنين عدد الحجاج وتقليل الزحام يسهم في تحسين جودة التجربة الروحانية، حيث يجد الحاج فرصة أكبر للتركيز على العبادة بدلًا من الانشغال بالتحديات الميدانية.
كما أن القرار يعكس رؤية بعيدة المدى في تحسين تجربة الحج وإدارته بفعالية. ومع ازدياد أعداد المسلمين عالميًّا، يصبح التخطيط المدروس بشكل علمي ضرورة لضمان استدامة الحج كركن من أركان ديننا الإسلامي الحنيف.
وبالتالي فإن هذا القرار يتجاوز كونه تدبيرًا إداريًّا إلى كونه خطوة تعزّز القيم الإسلامية من خلال تسهيل أداء الشعائر بأمان وطمأنينة للجميع.
في المقابل، أتمنى من كل قلبي أن يقوم الحجاج بأداء مناسك الحج بكل خشوع وإيمان، والابتعاد عن الاستخدام المبالغ وغير المبرر لوسائل التواصل الاجتماعي، خصوصًا فيما يتعلق بتصوير المشاهد وأنفسهم أثناء أداء فريضة الحج والعمرة ونشرها في مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة.
الشكر وكل الشكر والتقدير للسلطات السعودية على هذا القرار الحكيم والجريء الذي كنا ننتظره منذ فترة طويلة، بعيدًا عن كل الفتاوى التي كانت تصدر من بعض رجال الدين وتفسيراتهم.
وإحقاقًا للحق فإن الحكومة السعودية وبشهادة الجميع بذلت جهودًا مضنية وجبارة في سبيل تطوير جميع الخدمات والمرافق في المواسم الماضية. شخصيًّا أرى أن هذه الإجراءات والخطوات التطويرية المستمرة التي تقوم بها السلطات السعودية محل اهتمام وتقدير كبير من قبل دول العالم، ما يثبت أن المملكة العربية السعودية لديها من الإمكانات والقدرات الكافية لتحقيق المزيد والمزيد من الإنجازات فيما يخص خدمة الحجاج. ولا يسعنا هنا إلا أن نرفع لها القبعة، متمنّيًا لها دوام النجاح والازدهار والسداد في مختلف المجالات، داعيًا الله عزّ وجل أن يحفظ هذا البلد من كل مكروه وسوء.
اللهم احفظ حجاج بيتك الحرام وأعنهم على أداء فريضتك، اللهم تقبل حجتهم وأكرمنا بعودتهم سالمين، اللهم آمين.
كاتب وإعلامي بحريني