العدد 5967
الجمعة 14 فبراير 2025
موقف نبيل ولا أروع
الجمعة 14 فبراير 2025

في عالم الرياضة، كثيراً ما تُستخدم كرة القدم كأداة تجمع الشعوب على التنافس الشريف والتواصل الثقافي. لكن، بين حين وآخر تبرز هذه اللعبة وجهها الإنساني الذي يتخطى حدود الملاعب ليُعبر عن قيم التضامن والإنسانية، فكرة القدم تعتبر واحدة من أكثر الألعاب شعبية، ولها حضور جماهيري كبير وغير مسبوق، فهي تكون مثالية للتعبير عن مشاعر ومواقف الجماهير لأية قضية سواء رياضية أو إنسانية. وقد جسّد نادي بودو غليمت النرويجي هذا الدور على أكمل وجه عندما قرر تخصيص كامل إيرادات مباراته ضد نادي مكابي تل أبيب الإسرائيلي ضمن منافسات الجولة السابعة في بطولة الدوري الأوروبي، والتي أقيمت بتاريخ 23 يناير المنصرم لصالح اللجنة الدولية للصليب الأحمر، لدعم جهود الإغاثة في قطاع غزة.

المباراة التي كانت في إطار تنافسي في الدوري الأوروبي تحوّلت إلى منصة لإيصال رسالة نبيلة وإنسانية، فقد أعلن النادي النرويجي من خلال البيان الذي نشر عبر حسابه في منصة “إكس” أن جميع عائدات التذاكر ستُتبرع للصليب الأحمر، في خطوة استهدفت تسليط الضوء على معاناة سكان غزة الذين يعيشون ظروفا إنسانية مأساوية صعبة، فقد ذكر بيان النادي أنه لا يمكن لنا أن نتجاهل أو نظهر غير متأثرين بالمعاناة والانتهاكات للقانون الدولي، والتي تتكشف في أجزاء أخرى من العالم، رغم أننا فريق كرة قدم، ولسنا طرفا سياسيا، إلا أنه كان من المستحيل التمييز بشكل واضح بين الرياضة والسياسة في الوقت نفسه، لكننا نريد المضي قدما وفق النظام الداخلي الخاص بنا الذي يعبر عن مبادئنا وفخرنا بعيدا عن ملاعب كرة القدم. 

وتابع البيان: “الآن نريد أن نظهر للجميع أننا نضع أفعالنا وراء أقوالنا، وقررنا التبرع بجميع عائدات التذاكر التي حصلنا عليها من مواجهة الفريق الإسرائيلي على أرضنا إلى منظمة الصليب الأحمر وتخصيصها لأعمال الإغاثة في قطاع غزة الفلسطيني، منوهًا بأن مجموع ما حصلنا عليه هو

735000  كرونة نرويجية (تعادل 65 ألف دولار أميركي) ونريد التبرع بها بالكامل”.

هذا الموقف يلفت الانتباه لعدة أمور. أولاً، يُظهر كيف يمكن للرياضة أن تتحول إلى وسيلة للتعبير عن التضامن مع القضايا الإنسانية بعيداً عن التجاذبات السياسية. وثانياً، يُبرز شجاعة الفريق النرويجي في اتخاذ موقف أخلاقي يُعبر عن التزامه بالقيم الإنسانية رغم حساسية الموضوع.

ما قام به الفريق هو تذكير بأن كرة القدم ليست مجرد لعبة، بل أداة قوية تُسهم في لفت الأنظار إلى القضايا العادلة. والأهم من ذلك، أنها تُظهر للعالم أن التضامن الإنساني يمكن أن يأتي من أي مكان، حتى من داخل ملعب لكرة القدم.

من وجهة نظري الشخصية إن هذه المبادرة الإنسانية الرائعة تستحق كل الإشادة والتقدير، فبينما يختار البعض الصمت، هناك من يُفضّل أن يستخدم منصته لإحداث فرق. وإذا كانت الرياضة تستطيع أن توحّد الشعوب على أسس تنافسية، فإنها قادرة أيضاً على جمعهم حول قيم الإنسانية والتعاطف، وبصراحة شديدة وبعيدا عن أي اختلاف في وجهات النظر من خلال المواقف، فإن هذا الموقف من هذا النادي الذي لم يكن متوقعا يستحق أن نرفع له القبعة.

وللأمانة فإن أكثر ما أثار إعجابي الجملة التي ذكرت في البيان وهي “الآن نريد أن نظهر للجميع أننا نضع أفعالنا وراء أقوالنا”. لأننا للأسف أثبتنا للعالم أننا شعوب لا نملك سوى الكلام والشجب والاستنكار الذي لا يغني ولا يسمن من جوع.

والسؤال الذي يطرح نفسه، وفقط من باب الإنسانية، لماذا لم تبادر أية جهة بعمل مشابه سواء كان ذلك من خلال كرة القدم أو في أية لعبة أخرى. وفي اعتقادي أنه حتى لو لم يتم جمع المال، فإن تسجيل التعاطف والدعم المعنوي أمر مهم جدا لإيصال صوت الشعب المناصر للشعب الفلسطيني إلى العالم.

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .