التعليم في الصين، كما هو الحال في الكثير من الدول المتقدمة، يشهد تحولات جذرية نحو تعزيز مهارات الحياة الواقعية لدى الأطفال. إحدى هذه التحولات المثيرة للإعجاب التركيز على تعليم الأطفال الحرف اليدوية والمهن التي كانت تقليديًّا تُعتبر مجالات خاصة بالبالغين فقط.
وعندما تلقيت فيديو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كنت مذهولًا من الوهلة الأولى، ولم أستطع أن أصدق ما رأيته إلى أن قمت بعملية البحث والتحري وتأكدت من محتواه! فثورة التعليم العملي في الصين تعكس نهجًا تعليميًا جديدًا يرتكز على إعداد الأطفال لمواجهة تحديات الحياة، وليس فقط تجهيزهم لاجتياز الامتحانات، فبدلًا من التركيز المفرط على التعليم النظري والاعتماد على الحفظ، بات النظام التعليمي يركز على المهارات اليدوية، مثل الطهي، والبناء، والنجارة، والزراعة وغيرها من المهارات، والهدف من هذا التوجه تعزيز الفهم العملي، وتنمية الإبداع، وتقدير العمل اليدوي الذي يساهم بشكل مباشر في بناء المجتمعات. والسؤال الذي يطرح نفسه.. لماذا هذا التحول؟
في اعتقادي هناك عدة أسباب دفعت الصين لاتخاذ هذا المسار، ولعل أبرزها سد الفجوة بين التعليم وسوق العمل، فالكثير من الطلاب يتخرجون دون امتلاك المهارات العملية المطلوبة، ما يؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة، فالتعليم المهاري يساعد على تجهيز الأجيال الجديدة لتكون منتجة وذات كفاءة عالية، بالإضافة إلى تعزيز القيم الأخلاقية والعمل الجماعي من خلال تعليم الأطفال كيفية العمل بيدهم، فهم يتعلمون الصبر والاجتهاد والتعاون مع الآخرين والعمل بروح الفريق الواحد لتحقيق الأهداف المشتركة.
ناهيك عن مواكبة التغيرات الاجتماعية مع ازدياد الاعتماد على التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، فهناك حاجة إلى تعليم الأطفال مهارات إنسانية وحياتية لا يمكن للآلات أن تحاكيها بالكامل.
كما أن الصين تسعى جاهدة للحفاظ على إرثها الثقافي الغني عبر غرس حب الحرف اليدوية في الأجيال الجديدة.
ومن أبرز التأثيرات الإيجابية أن الثورة في التعليم لا تقتصر على الجانب المهاري فحسب، بل تخلق جيلًا يتمتع بالثقة بالنفس والإبداع والفهم العميق للعالم من حوله، فالطفل الذي يتعلم كيف يطهو طعامه أو يصنع شيئًا بيديه يشعر بالإنجاز، وهذا يعزّز قدراته العقلية والنفسية، كما أن هذه المهارات تجعلهم أكثر استعدادًا لمواجهة الحياة بمسؤولية واستقلالية.
لا شك أن تجربة الصين تمثل نموذجًا يحتذى به، لكنها تتطلب إرادة سياسية، واستثمارًا في البنية التحتية التعليمية، وتغييرًا في العقليات، ويمكننا الاستفادة من هذه التجربة لإصلاح الأنظمة التعليمية التي لا تزال في كثير من الأحيان تعتمد على الحفظ والتلقين بدلاً من التطبيق والممارسة.
الخلاصة.. في اعتقادي الشخصي هذا التوجه الصيني ليس مجرد تطوير في التعليم، بل هو ثورة تهدف إلى خلق جيل جديد قادر على التكيف مع تغيرات العصر، وتحقيق التنمية المستدامة على الأصعدة كافة.
يا ترى كيف نستطيع تحقيق ولو جزء بسيط من هذه التجربة الناجحة والرائدة والتجرد من الأسلوب التقليدي في التعليم. عند جهينة الخبر اليقين.
كاتب وإعلامي بحريني