ليس أمام كامالا هاريس سوى رصاصة رحمة أخرى في الأذن اليسرى لترامب، وليس أمام ترامب غير انقلاب كابيتولي جديد في حال لم تكن الصناديق شفافة، والنزاهة الوجودية مفروضة بقوة القانون. هكذا تفشل الولايات المتأرجحة حتى اللحظة في حسم التردد، وتفشل المحسومة في إسقاط الخصم حتى النهاية.
مازال النزال صعبًا، والاتهامات بـ “الغباء” لكامالا، أو بـ “المؤيدين” لترامب بـ “الزبالة”، تمضي على قدم وساق مع شعارات ترامب “نحو أميركا الأعظم”، وسخرية كامالا من الملفات العالقة بين الجانبين. لا كامالا “كاملة من مجاميعه”، ولا ترامب أصبح أكثر عقلًا مما كان في دورته الانتخابية السابقة، لا الدرس بضياع جزء من أذنه اليمنى تمت الاستفادة منه، ولا النومة الأبدية التي تمتعت بها هاريس بجوار أستاذها بايدن طوال أربع سنوات مضت. لا الراحة آتت أُكُلها، ولا المعاناة وألم المخاض قد يسفر لترامب أربع سنوات جديدة في الحكم. الصراع على السلطة بدا وكأنه أبعد ما يكون عن أحلام شرق أوسطية ساذجة، بل إنه بات أقرب إلى حبل الوريد، وترامب يدخر “لعبه من الكبار” حتى اللحظة الأخيرة، معتبرًا أن الملفات الأممية العملاقة مع الصين وروسيا وكوريا الشمالية والنووي الإيراني وترويض نتنياهو، ما زالت مؤجلة حتى بلوغ أي من المترشحين سقف المجمع الانتخابي.
وسوف يبدأ أي من المحظوظين في فك شفرة كل لغات العالم، ليغني على ليلاه ويفتح مع شعبه ومع العالم صفحة جديدة من “المهاترات”، وبابًا أكثر انفتاحًا مع الملفات المتأرجحة داخل البيت الأبيض، وتلك التي اعتلتها الأتربة من طول نومة بايدن على أوراقها المهملة طوال أربع سنوات بالتمام والكمال.
رغم التبسيط المخل في رسالة هاريس الانتخابية، ورغم الصرامة المستحبة في مواقف ترامب مع شعبه، إلا أن ما بين الإخلال بالأعراف والصرامة في التناول أو في التداول للخطاب الانتخابي الأميركي تقف الصقور والحمائم شواهد تاريخية على عصر لم تراع فيه أية اعتبارات تقليدية كان قد فرضها الصناعيون في الماضي، وأي خروج عن المألوف كنا قد اعتدنا عليه منذ أوباما وكلينتون وحتى هاريس.
لم يُسقط أحدٌ أحدًا بلمس الأكتاف، ولم يستغن أحد عن التكنولوجيين الأشاوس وهم يظهرون في المشهد الانتخابي ممسكين بأيدي إيلون ماسك، وبيل جيتس، ربما تحل البركة الرقمية على الانتخابات الإلكترونية حيث آلية التصويت والفرز، وربما يكون للدعم العلمي الرهيب دور في إيجاد حلول ناجعة للعديد من المشكلات العويصة التي قد تواجه الولايات المتحدة الأميركية بعد أن تسكت المدافع الانتخابية، ويذهب الفائز إلى المكتب البيضاوي ليدلي بخطاب التنصيب، ويرفع القسم الوحيد ملوحًا “المجد لأميركا”، والحرية والديمقراطية للشعب “العظيم”، و.. غدًا لناظره قريب.
كاتب بحريني والمستشار الإعلامي للجامعة الأهلية