العدد 5843
الأحد 13 أكتوبر 2024
بين الحجر والرصاصة
الأحد 13 أكتوبر 2024

بعد مرور سنة على عملية طوفان الأقصى بدت حسابات الربح والخسارة أكثر جدية ومنطقية من أي وقت آخر، لكن الملاحظ أن ما من أحد أو طرف من المحللين أو المحتسبين قد وضع علامة أو نقطة إيجابية لمصلحة العملية التي قامت بها حركة حماس، أي اختراق السياج الحدودي واحتلال غلاف غزة ولو لمدة ساعات. كل أدوات القياس عملت على قياس النتائج نسبة للأهداف، والمنطق يقول هل كانت “تستاهل” هذه العملية الأمنية العسكرية الناجحة والفريدة بنجاحها وتخطيطها في اقتحام الغلاف والشريط هذه الأثمان التي دفعت حتى الآن، أي هل كانت “تستاهل” هذه الكمية الهائلة من الشهداء الفلسطينيين؟
فقد أشارت أحدث التقارير إلى ارتفاع عدد القتلى والمفقودين في قطاع غزة جراء الهجوم الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر 2023 إلى قرابة 51 ألفا، وأشارت تقارير طبية فلسطينية إلى أن عدد المفقودين تحت الأنقاض أو في الطرقات، ممن لم تتمكن طواقم الإسعاف ورجال الإنقاذ من الوصول إليهم، يقدر بحوالي 10 آلاف مفقود، كذلك اقترب عدد الجرحى والمصابين في قطاع غزة من 100 ألف جريح. أضف إلى ذلك أن إسرائيل أعادت احتلال القطاع ودمرته عن بكرة أبيه، وجعلته بقعة غير قابلة لحياة البشر، ناهيك عن الخسائر المادية التي تقدر بالمليارات. النقطة الإيجابية الوحيدة أن هذه العملية كلها تمكنت من إعادة طرح القضية الفلسطينية على بساط البحث الدولي، لكن ليس لصالح الفلسطينيين، فقد غابت قضيتهم كقضية حق بسبب الموقف الأميركي والغربي غير المعول عليه من الأساس، وبسبب سوء التقدير والتوقيت الفلسطيني الحمساوي الإيراني. هناك وجهة نظر محترمة ودقيقة تقول إن حركة حماس عبر العملية التي قامت بها تخلت عن أسلوب وفكرة المقاومة، والتي سبق أن ولدت وأنتجت في فترة سابقة تعاطفا دوليا معها كقضية نضال شعب مقهور ومحتل. لكنها في الاقتحام الذي قامت به، بالرغم من نجاحه، عسكريا، قدمت به فكرة أنها اتبعت أسلوب الجيوش، لا المقاومات الشعبية، وهنا أسست لخسارة على المستوى الإعلامي وعلى مستوى التعاطف الشعبي. 

فلو بقيت حركة حماس على أسلوب المقاومة المدنية النضالية الشعبية، وركزت هجومها على أهداف عسكرية وليس مدنية، لكانت نجحت في إبقاء بعض التضامن معها ومع القضية الفلسطينية.
لكن عندما استعملت أسلوب حروب الجيوش مهدت لخسارات كبيرة لا تعوض.
يبدو أن السباق بين الحجر والبندقية مال إلى جانب استخدام الحجارة بدلا من الرصاص مقابل هذه الكلفة الباهظة.

كاتب وأستاذ جامعي من لبنان

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية