العدد 5822
الأحد 22 سبتمبر 2024
حصان طروادة الإلكتروني
الأحد 22 سبتمبر 2024

في الأساطير اليونانية حصان طروادة هو حصان خشبي قيل إن اليونانيين استخدموه خلال حصار طروادة لدخول المدينة واختراق أسوارها والفوز بالحرب، وقصة حصان طروادة باتت ترمز إلى طريقة الخداع في الحرب واختراق حصون العدو، حيث أدخل سكان طروادة الحصان الخشبي إلى داخل أسوار المدينة من دون أن يعرفوا ما بداخل هذا الحصان، ما أفسح المجال لخروج الجنود منه في الليل في ساعة غفلة، واحتلال المدينة الحصينة وإسقاطها.
الأحداث التي شهدها لبنان خلال الأيام الماضية تحاكي إلى حد كبير أحداث حصان طروادة الخشبي المحكي عنه في الأسطورة اليونانية. المعلومات متضاربة، لكنها تصل إلى نتيجة واحدة هي أن إسرائيل تمكنت من اختراق أجهزة اتصال حزب الله وتفجيرها، ما أوقع عددا كبيرا من القتلى والجرحى لم يتم حصرهم وتحديدهم حتى الآن بشكل كامل. المعروف أن قدرات إسرائيل التكنولوجية متقدمة جدا في العالم، وهي التي تبيع الدول الأخرى أجهزة التنصت والتجسس، وقد استطاعت اختراق شبكة الهاتف الخلوي في لبنان وتتبع عناصر حزب الله واغتيالهم بشكل مكثف ومتسارع عن طريق تتبع هواتفهم الخلوية، فكان الحل التقني عند حزب الله الهروب من استخدام الخلوي والعودة إلى استخدام جهاز “البيجر”، وهو جهاز مناداة كان له الباع الطويل في التواصل قبل الخليوي، وهو يستخدم في إرسال الرسائل واستدعاء الأطقم العاملة في حالات الطوارئ، سواء كانت صحية أو إغاثية. قامت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية باختراق هذه الوسيلة وتفجيرها بحامليها من عناصر الحزب. كيف تم ذلك؟ الرواية الأولى تقول إن الأجهزة الإسرائيلية اخترقت أجهزة حزب الله وتمكنت عن طريق رسائل متسارعة أرسلتها إلى الأجهزة من تسخين الأجهزة ورفع حرارة بطارياتها وصولا إلى انفجارها. الرواية الثانية تقول إن الموساد الإسرائيلي أقام شركات تصنيع أجهزة “بيجر” وهمية بعناوين أوروبية، وحين قرر الحزب الانتقال إلى استخدام “البيجر” اشترى هذه الأجهزة من الشركات الإسرائيلية الوهمية التي يديرها الموساد. 
وهنا تم تفخيخ الأجهزة بمتفجرات وأرسلت إلى لبنان لاستخدامها من دون أن ينتبه الحزب للفخ الذي نصب له، إلى أن دقت الساعة الإسرائيلية المواتية فكان التفجير المتزامن الذي ولد أكبر ضربة تلقاها حزب الله من إسرائيل حتى الآن.
أي الروايات هي الصحيحة؟ وكيف تمكنت إسرائيل من تسجيل هذا الاختراق الناجح وابتكار حصان طروادة الإلكتروني بدلا من الخشبي؟
وحدها الأيام المقبلة ستكشف ما جرى وتميط اللثام عن السر المخابراتي الكبير، وما علينا إلا الانتظار، إما الجواب والتفسير لما حدث، أو رد حزب الله القادم على الاختراق.

كاتب وأستاذ جامعي من لبنان

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .