فيما المنطقة منشغلة بالمناورات التي ينفذها بنيامين نتنياهو لإفشال أية فرصة لحل أو هدنة للمجازر والمذابح الدائرة والمستمرة في غزة، توجهت الأنظار خلال الأيام الماضية إلى أنقرة التي زارها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مدشنا عهدا من التقارب المصري التركي المطلوب في المنطقة في هذه الظروف الحساسة والدقيقة، ومن شأن هذا التطور في حال استكمال نجاحه أن ينعكس إيجابا على الكثير من الملفات في منطقتنا، والتي تحتاج أول ما تحتاجه إلى الاستقرار والتفاهم والتقارب الإيجابي والتعاون بين أطرافها وبلدانها وشعوبها، وقد أتت زيارة الرئيس المصري إلى أنقرة لتصب في هذا الاتجاه المهم.
من المعروف أن العلاقات تاريخية وعميقة بين البلدين، ولها تأثيرها الكبير في المنطقة منذ أيام محمد علي باشا الرائد والمؤسس الأول للدولة المصرية الحديثة، والتي لو قدر لها الاستمرار والنجاح كما كان يراد لتغير وجه المنطقة كله يومها إلى الآن. التطور السلبي الأخير في العلاقة بين البلدين إثر الخلاف على مسألة وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة بعد حكم الرئيس حسني مبارك تم تجاوزه بعد أن أعاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مراجعة سياسة بلاده تجاه الدول المحيطة، ما أنتج زيارة له إلى القاهرة في فبراير الماضي، والتي كانت الأولى له منذ 12 عاما. مثلت الخطوة الأخيرة تحولا جوهريا في مسار العلاقات بين البلدين بعد سنوات من الفتور والتوتر، وفتح اللقاء بين السيسي وأردوغان صفحة جديدة في مساعي الجانبين لتعزيز التعاون الاستراتيجي، في وقت تشهد فيه المنطقة تحديات تستدعي توحيد الجهود، وتضعهما على مسار جديد نحو بناء شراكة قادرة على التأثير في معادلات الإقليم. وقد وقعت مصر مع تركيا 17 مذكرة تفاهم في مجالات التعليم العالي، وسكك الحديد، والطيران المدني، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والتعاون العلمي والاقتصادي والفني في الزراعة، والصحة والعلوم الطبية، ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة وتطويرها، والسياحة والثقافة، والمواضيع المالية والاقتصادية، والعمل والتوظيف، وحماية البيئة، والتطوير العمراني.
كما وقّع الرئيسان التركي والمصري بيانا مشتركا عقب الاجتماع الأول لمجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى بين البلدين، وأكد البيان أهمية رفع مستوى الشراكة بينهما إلى مستوى استراتيجي بمناسبة الذكرى المئوية للعلاقات الدبلوماسية في 2025.
تطور العلاقات إيجابا بين مصر وتركيا ينعكس إيجابا على ملفات عديدة في المنطقة أبرزها على الموقف من القضية الفلسطينية، وجرائم التوحش التي تنفذها إسرائيل تجاه الشعب الفلسطيني في غزة منذ أكتوبر الماضي، وعلى الضفة الغربية في القادم من الأيام، وعلى الحلول إذا ما توفرت مستقبلا، وعلى الأوضاع في ليبيا والسودان وسوريا.. إلخ.
لهذا كله وبما أن المنطقة متعطشة لخبر إيجابي أو خطوة إيجابية، فإن اللقاء المصري التركي بين عبدالفتاح السيسي ورجب طيب أردوغان هو خطوة على الطريق الصحيح ويجب تعزيزها وتشجيعها ودعمها.
كاتب وأستاذ جامعي من لبنان