يتقدم نحوك، يسلم عليك بحرارة، ملبسه مهندم وفاخر، لا تبدو عليه أية علامة من علامات التسول، لكن سرعان ما سيطلب منك المال بعد قليل بقصة غريبة عجيبة، بعد أن يوهمك أنه عزيز قوم ذل، إنه ليذكرني بأيقونة عادل إمام “المتسول” حينما أعده الفنان وحيد سيف - خبيرُ إعداد المتسولين في الفيلم - في هيئة فاخرة بالبدلة الرسمية، وأما هنا؛ فتجدهم بالثوب الخليجي مع سيارة خليجية، ليحبك عليك تمثيلية أنه فقد أمواله في الغربة، ويحتاج عشرة دنانير فقط لشراء وجبة عشاء لأسرته، أو يدعي أنه بحاجة المال لتعبئة الوقود حتى يرجع إلى بلاده، وأنت في المرة الأولى -غالبًا - ستصدقه وتمنحه المال، لكن بعد أيام ستجد الشخص نفسه، أو شخصا بديلا يكرر ذاك السيناريو للاستحواذ على أموالك عن طريق الكذب والاحتيال.
ما أكثر ما ستجد هؤلاء يستهدفون المواطنين والسياح بتمثيلياتهم هذه عند المواقع السياحية، أو محطات الوقود، أو الشوارع التجارية، أو عند المطاعم، لاستنساخ أيقونة فيلم “المتسول” بعد أربعة عقود، مستخدمين الفلسفة نفسها لـ “الطرارة” والتسول، لإحلالها محل التسول التقليدي الذي بات مجرّمًا قانونيًا في الدول الخليجية، حيث اجتثته السلطات بحملات ناجحة، تبين بها أن من يدير شبكات التسول التقليدية عصابات أخطبوطية تجني الملايين من أموال الناس بالباطل، عبر استغلال الأطفال وأصحاب العاهات وكبار السن والنساء، فنحن أمام إعادة هندسة ظاهرة التسول التي من أخطر ما فيها أنها تهدم في وجداننا الكرم المترسخ مع المحتاج وابن السبيل؛ لأنها تجعلنا نشعر أننا مغفلون لتصديقنا النصابين، كما أنها ستحرم في المستقبل محتاجين حقيقيين، حيث سيلتبس أمرهم بالنصابين، لذا فإننا بحاجة اليوم إلى إجراءات سريعة وجادة تمنع المتسولين النصابين، ولا تحرم المحتاجين الحقيقيين.
كاتب بحريني