انشغل كُثير من العرب والأجانب، والشعب اللبناني بشكل خاص، بتتبع أخبار استعدادات إيران وحزب الله، للرد على إسرائيل عسكريا. إيران بسبب اغتيال رئيس المكتب السياسي في حركة حماس إسماعيل هنية في طهران، وحزب الله ردا على اغتيال أحد كبار قادته الميدانيين، القيادي فؤاد شكر المعروف بالسيد محسن، في قلب الضاحية الجنوبية في بيروت. ما من خبر بين الناس واهتمام إلا السؤال، متى الضربة وكيف ستكون وماذا قد يحصل بعدها؟ تعطلت الأعمال في إسرائيل، وفرغ المطار من الركاب، وبات شغل الدول الشاغل البحث في الضربة وأبعادها ونتائجها وما قد تتسبب به من أضرار وتداعيات.
في لبنان عمد حزب الله إلى زيادة التشويق والابتزاز والضغط على إسرائيل، بإرسال مسيرات يومية فوق أراضيها ومدنها، وعمد فوق ذلك كله إلى تسريب وتوزيع أشرطة مصورة التقطها “هدهد حزب الله” أي مسيراته، فوق المدن والمواقع الإسرائيلية. في المقابل تصاعدت وتيرة التحذيرات والبيانات من السفارات الأجنبية والعربية إلى رعاياها في لبنان للمغادرة فورا. وقد وصل الأمر بالسفارة الأميركية في بيروت مثلا، أن قالت في أحد بياناتها إن على مواطنيها المغادرة فورا في أول طائرة متوفرة، ومن ليس لديه المال فقد وُضعت أرقام هاتف للاتصال بمكاتبها لطلب قروض سفر مستعجلة، وأرفقت السفارة الأميركية بياناتها بتعليمات تقول “من لم تتوفر له تذكرة طائرة عليه تدبير مسكن وملجأ آمن وتخزين الطعام والغذاء لأيام قد تطول”! هذه الطريقة في التحذير من سفارة دولة كبرى ضاعفت منسوب التوتر عند العامة وانعكاساته في لبنان على المقيمين وباقي أفراد الشعب اللبناني الذي أصيبت أعداد كبيرة منه بالتوتر والقنوط والخوف، وبدأت أعداد اللبنانيين الموجودين في إجازة في لبنان بالمغادرة بطريقة محمومة أسفرت عن ولادة سوق سوداء قوية لشراء تذاكر السفر واستبدال مواقيتها للخروج من لبنان المهدد من تطور الأحداث المحتملة.
حتى أن شركات الطيران وبسبب الزحام والضغط طلبت من المواطنين الحضور إلى المطار قبل أربع ساعات من الإقلاع!
هذه لم تكن الأزمة الأولى التي يعيشها لبنان خوفا من عدوان إسرائيلي عليه، فقد سبق أن عاش مثل هذا العدوان وتداعياته أكثر من مرة. على أمل أن تكون هذه المرة مقتصرة على التوتر والأخبار الإعلامية وليس الحربية.
حين اندلعت في لبنان في وقت سابق في القرن التاسع عشر أحداث مواجهات داخلية عنيفة أدت يومها إلى مؤتمر دولي في 1860 أسفر عنه حل عرف بحل “المتصرفية”، برعاية دولية أحدث استقرارا دام نحو خمسين سنة، واستمر حتى 1914، قيل يومها نتيجة الاستقرار “نيال من له مرقد عنزة في لبنان”، أما اليوم وبسبب التوتر بات المثل الرائج يقول “نيال من له تذكرة على مقعد طائرة مقلعة من لبنان”، والله ولي التدبير والحماية والتوفيق.
كاتب وأستاذ جامعي من لبنان