فن التسويق هو القدرة على إقناع أكبر عدد من الناس بأهمية وضرورة شراء واستخدام أي سلعة أو منتج أو خدمة، حتى لو لم يكونوا مقتنعين بذلك من قبل. عصير البرتقال لم يكن يوما جزءا أساسيا ولا إلزاميا من وجبة الإفطار الصباحية، ولكن عبقرية ودهاء أحد الخبراء في وكالة دعاية وإعلان، والذي اقترح على رابطة مزارعي البرتقال في ولاية فلوريدا الأميركية أن يتبنوا حملة دعائية عملاقة لعامة الناس لإقناعهم بأهمية تناول عصير البرتقال لأسباب صحية، وأهمية أن يكون ذلك في صباح كل يوم، ونجحت الحملة الدعائية نجاحا مبهرا وارتفعت مبيعات عصير البرتقال لمستويات غير مسبوقة. ونفس الشيء حصل مع مادة الفلورايد التي بعد حملات التسويق المكثفة التي حصلت مع تقديمها للناس، بات من المستحيل تخيل أي معجون لتنظيف الأسنان خاليا من الفلورايد.
وليست هناك ساحة تتضح وتظهر فيها قوة وفعالية وتأثير التسويق مثل ذلك الذي يحصل على الساحة السياسية، ولعل ما حصل في الأيام القليلة الماضية في الولايات المتحدة الأميركية خير دليل على ذلك، من تغيير مرشح الحزب الديمقراطي الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن كمرشح للانتخابات الرئاسية في اللحظات الأخيرة. وفورا بدأت حملة تزكية نائبته كامالا هاريس لتصبح المرشح الرسمي للحزب، بدأت شهادات الساسة بحقها ونجوم هوليوود وأباطرة الإعلام جميعهم يشيدون ويمدحون ويبرزون مزايا كامالا هاريس بشكل ممنهج ولا يمكن إغفاله أبدا. وطبعا لا يمكن إغفال المشهد المقزز الذي تابعه العالم وهو يرى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مجرم حرب متهم من المحكمة الدولية ويقود حرب إبادة ممنهجة ضد المدنيين الفلسطينيين في غزة، يتم استقباله كبطل في معقل الديمقراطية في الولايات المتحدة الأميركية في الكونغرس، ويلقي كلمة مليئة بالأخطاء والأكاذيب الصريحة، ومع ذلك لقي أكثر من 59 تصفيقا مع الوقوف من الحضور، ليكون واضحا للجميع أن المشهد ما هو إلا تبييض لصورة نتنياهو التي دمرتها الأحداث الأخيرة. ما يحصل مع نتنياهو تخطى التسويق السياسي ووصل إلى إعادة التدوير.
* كاتب وإعلامي سعودي