مع تطور التقنية الحديثة وأدواتها التي تم ابتكارها لأجل تسهيل حياة الناس وإيجاد حلول سلسة لتحديات تواجه أعدادا كبيرة منهم، هنا تم اعتماد حلول قدمت لنا تطبيقات مكنت المستخدمين من العمل عن بعد والاجتماع عن بعد والتعلم عن بعد والمراقبة والحراسة عن بعد، والتواصل الاجتماعي بالتهنئة والتعزية والتحية والسلام عن بعد، بل إن الحروب هي الأخرى أصبحت تدار وتتم عن بعد باستخدام الطائرات المسيرة.
واعتياد البعد وألفة الابتعاد تؤدي إلى العزلة وليس الوحدة، فهناك فرق كبير بين الاثنين، العزلة إحساس بالرغبة القوية في الابتعاد عن الجميع بينما من الممكن أن يشعر الشخص بالوحدة وهو وسط جمع غير قليل من الناس. ولم يعد خافيا أو سرا حجم المخاطر والتحذيرات التي تصاحب الاستخدام المفرط للتقنية الحديثة وأدوات وتطبيقات التواصل الاجتماعي والالتصاق بالشاشات بمختلف أشكالها وأحجامها، فهذا كله يؤدي إلى حالة وصفها علماء الطب النفسي بالإدمان الإلكتروني، وباتت هناك “حمية إلكترونية” يتم وصفها للمصابين بذلك، والغرض منها التخفيض المستمر في نمط ومدة الاستخدام للتخفيف من الأعراض. الفجوات الرقمية التي تشكل مساحات التباعد بين الناس تؤسس لمجتمعات صغيرة أشبه بجزر معزولة عن بعضها، ولعل أهم ما يحدث في عالم “عن بعد” هو تطور أسلوب الحروب من خلف الشاشات، وعلى بعد آلاف الأميال من أرض المعركة، وكأنها من مشاهدات الألعاب الإلكترونية المعروفة بالبلايستيشن. هناك كتاب مدهش بعنوان “الوحدة إكس”، يتحدث بإسهاب وبتفاصيل مذهلة عن التعاون التقني بين شركات وادي السيليكون ووزارة الدفاع الأميركية المعروفة باسم البنتاغون، وكيف أن هذا التعاون سيثمر أسلحة تتفوق على كل ما جادت به قريحة الخيال العلمي. لم تعد المسألة تتعلق بالتعايش مع العوالم الافتراضية فحسب، لكن بات الاعتياد على مسألة التأقلم على الحياة عن بعد بكل أشكالها، وهذا مسار مختلف تماما عن كل ما كان قبله.
*كاتب وإعلامي سعودي