قد أكون معذورا لأنني محاصر بالعادات والتقاليد والأخلاق الحميدة التي تربينا عليها، قد لا أكون ملاما إذا اقتحم هذا المثل الشائع خلوتي في العشر الأواخر لأقول: "إذا أكرمت الكريم ملكته، وإذا أكرمت اللئيم تمردا"، هكذا هي الحياة لا تعطي من يجزل في العطاء، وتعطي من يتنكر لأصحاب الأفضال، ليست صدفة أن يتكرر النكران، وليست معجزة تلك التي نزلت بها الأديان السماوية كلها لتحث الإنسان على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنكران، وليست عجيبة قديمة نقدم لها القرابين كل مساء، ونزور أضرحتها كلما لزم الأمر، هي طبيعة بشرية منذ قتل قابيل هابيلا، ومنذ هبط آدم عليه السلام من الجنة إلى أرض الله الواسعة بسبب تفاحة، أو وسوسة من شيطان، وصدق الشاعر عندما قال، "لو لم يقتل قابيل هاييلا لن يقتل أحد".
النكران جريمة إنسانية لا يعاقب عليها القانون، ونقض الوعد وإن كان محرما أو مكروها فإنه صفة مذمومة عند أولي الألباب، وسلوك مرفوض في مثاليات الكتب القديمة، وأدبيات "أبو زيد الهلالي"، وملاحم الفن الشعبي المتوارد سردا وقصصا وتداولا بين الأجيال. صحيح أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، لكن الصحيح أيضا أنه إذا القيت عليكم التحية فردوا بأحسن منها، لكنهم أصحاب القلوب السوداء في مواجهة أصحاب الأيادي البيضاء، صراع أزلي بين الخير والشر، بين ملائكة الرحمة وحراس الأوكار المظلمة، بين رجل يقدم قلبه على طبق من ذهب من أجل أن يسود الحب في الأرض، وآخر يزرع الفتن بين الناس ويؤلب الشعوب على بعضها، ويهدم ما جاءت به الأديان والأعراف من قيم إنسانية رفيعة ومثل عليا لا تخطئها عين، فرق كبير بين هذا وذاك، من يزرع ليحصد ويبتر لينقذ، وآخر يهدم ليعيش ويظلم ليستريح.
منذ فترة وأنا أسأل نفسي: ما هو الطريق إلى السعادة، من أين يأتي وما هو السبيل إلى استحضاره أو استنساخه أو البحث عنه لعل وعسى؟ فإذا بي أصطدم بالواقع المر الذي جسدته قيمنا الدينية بالقول: "إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء". نصيحة إلى أصحاب القلوب السوداء: ألا تتمادوا في ظلم الناس فإن الله عادل رحيم، ولأصحاب الرايات البيضاء: سيروا على بركة الله، لا يضيع حق وراءه مطالب، والليث لا يعدم فريسته أينما ذهب.

كاتب بحريني والمستشار الإعلامي للجامعة الأهلية