العدد 5636
الأربعاء 20 مارس 2024
banner
الممر البحري لغزة.. والسيناريو الجديد!
الأربعاء 20 مارس 2024

قد يبدو الإعلان عن إنشاء ممر بحري يربط قبرص بغزة من الوهلة الأولى عملا إنسانيا مهما لإدخال المعونات الإنسانية العربية والدولية لهذه المدينة المنكوبة بلغة الأرقام في نظر البعض، لكنه في نظر الآخرين لغة وسيناريو جديد لأهداف انتخابية أميركية ومصالح إسرائيلية، فعلينا كعرب أن نتمعن كثيرا في هذا القرار الأميركي الغربي، وأن نتوقف عنده وننظر إليه نظرة بعيدة المدى، خصوصا أن هناك معابر أرضية كثيرة يمكن استغلالها لتوصيل المعونات لإخواننا في فلسطين من مصر والأردن وليس من ميناء لارنكا، فأية استراتيجية تعتمد على تغيير قواعد اللعبة من واقع معلوم، إلى فرضيات جديدة مبنية على صياغات إسرائيلية لهيكلة الوضع في غزة الصمود والكفاح، وجعل دولة الكيان الإسرائيلي في وضع الدفاع عن النفس، هي علامات استفهام كبيرة، فكيف يعجز المجتمع الدولي عن محاسبة هذا الكيان ووقف هذه الإبادة الجماعية والتجويع ومنع المساعدات.

واليوم يخرج لنا الأميركان وحلفاؤهم، برؤية جديدة خبيثة باقتراح بناء ميناء في غزة لإرسال المساعدات عن طريق البحر، هذا الميناء الذي كنا نتمنى وجوده في غزة منذ سنوات، يأتي اليوم لخدمة الكيان، ويكون مسيطرا على تقديم المساعدات وأشكالها، مع أنه يحتاج لأكثر من ثلاثة أشهر حتى يكتمل، وهو ما يعني موت الكثير من المحتاجين للمساعدات خلال هذه الفترة من الزمن، وهل هذه المواد التي ستدخل عبر الموانئ القبرصية آمنة وسليمة؟ ما يحدث في غزة وفلسطين ولبنان جرائم ضد الإنسانية واختراق للنظام والقانون الدولي، ولن يوقف الحرب إلا من أشعلها، فأميركا هي الحكم وهي الجلاد، وإسرائيل هي ابنتها المدللة، ولا يستطيع أحد أن يغير قواعد اللعبة إلّا هم، للأسف، فقد انكشف المستور، والمنظمات الدولية والدول الكبرى الأخرى اختفت خلف الكواليس، فمن الواضح مدى عجزها وقدرتها على وقف الحرب، أو اتخاذ خطوة لدعم فلسطين بالأسلحة أو الغذاء.

الكرة الأرضية منقسمة، وقانون الغاب صار للأقوياء، هم يحددون كيف تسير الأمور، أو كيف تنجو إسرائيل من كل جرائمها في إبادة شعب يتعرض للمجاعة كل دقيقة، رغم كل المساعدات التي أرسلت لهم والتي تحتاج لموافقات وتصريحات أميركية للدخول أم لا!

فالمساعدات التي ستقدمها أميركا والدول الغربية لغزة بحرا، ليست إلا تسترا على جرائم الكيان الصهيوني وهروبا من إجباره على وقف الحرب، فالقضية أكبر من مساعدات يا عرب، لذا فإن التخطيط الجديد بعد فشل إنزال المساعدات بالباراشوتات والطائرات، ها هو العمل الجديد، مسح شعب غزة والعمل على تهجيره وطرده من أرضه، وما يفعله العدو وداعموه هو حلقة من حلقات المسح الجغرافي والتاريخي والسياسي، وتصوير القضية على أنها فقط شعب يحتاج لمساعدات إنسانية. وعلى الدول العربية والإسلامية أن تدرك جيدا هذا المخطط، فالثمن كبير جدا ودول أخرى وشعوب ستدخل في التقسيم والتهجير، فهذا العنف دليل على أن هناك سيناريو، وأن خيار الدولتين مجرد كلام دبلوماسي استهلاكي، فكيف ترفض إسرائيل كل القرارات، وكيف نصدق الجلاد الأميركي وهي تدعم إسرائيل من الإبرة للدبابة.

فالممر البحري مجرد مسكنات لعمل أكبر، والتستر الأميركي الغربي على هذه الإبادة، والقبول بالممر البحري، مشاركة وصرف الأنظار والإعلام عن الإبادة والانشغال في الميناء والحكومة الجديدة الفلسطينية. فهل الممر البحري قبالة شواطئ غزة هو المنقذ لنقل المواد الغذائية والماء والدواء لأهل غزة، لا وألف لا، خصوصا من دولة كل قيادتها ضالعون في هذا الحصار والدمار والقذف العسكري برا وبحرا وجوا لشعب يدافع عن أراضيه واستقلاله.

فالسيناريو الجديد الأميركي الإسرائيلي، ليس خطوة مفاجئة، فالإدارة الأميركية الحالية بقيادة بايدن تتعرض لانتقادات داخلية وخارجية بسبب الحرب، مع أن البيت الأبيض وصف الممر البحري بأنه "مهمة طارئة" لتنظيم المساعدات للفلسطينيين في غزة، بل هو أكذوبة جديدة وسخرية وضربة أخرى للنظام العالمي الهش، فالأمر هو بداية لتهجير جديد عبر سفن المساعدات ونقل شعب غزة إلى مناطق أخرى في العالم، وأيضا القضاء على حركة حماس نهائيا، وحرمان حماس من القدرة على إطعام السكان وإدارة القطاع، واستبدال وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) بمنظمة أخرى ستكون مسؤولة عن توزيع الغذاء من جانب اسرائيل.

ملخص الكلام أن أميركا لم تتغير، وأن قرار وقف الحرب في يدها، وأن الممر البحري وغيره، وكذلك الدعم والمساندة والدفاع عن إسرائيل حق مشروع لها، مع عجْز الأُمم المتّحدة وسائر المؤسّسات والمنظمات الدوليّة عن القيام بدورها المفترض، ومع ذلك نقول إن القضية الفلسطينية لن تنتهي كما يتصورها الكثيرون، رغم إضعافها المستمر، والبدائل المطروحة كبدائل لمعبر رفح وغيره، لا تجدي نفعا.

لكن رغم كل ما يقال هنا وهناك فعملية نقل شعب وأهل غزة المرابطين والمدافعين عن أرضهم بقوة عبر السفن إلى مناطق أخرى في العالم، بعد فشل تهجيرهم ودخولهم عبر المنافذ البرية، حسب الخطة والسيناريو الغربي لمسح غزة وإدخالها ضمن حدود الدولة المحتلة، وقيام منطقة اقتصادية عالمية هناك ومنفذ بحري دولي أصبح من الخيال.. والله من وراء القصد.
 
كاتب وصحافي عماني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .