العدد 5628
الثلاثاء 12 مارس 2024
banner
كرنفالات العرب ورمضان غزة
الثلاثاء 12 مارس 2024

يحل شهر رمضان المبارك علينا هذه الأيام والأمة تعيش نكبة فلسطين الثانية، تعيشها بكل مشاعرها وأرواحها، بكل شهدائها ومشرديها، والذين لم ينذروا أنفسهم للدفاع عنها، وهؤلاء الذين لم يراعوا الله فيها، يحل علينا شهر رمضان المبارك وماراثون الاحتفالات تنتشر أهازيجه.. يحل الشهر الفضيل علينا وقنواتنا الفضائية تتسابق على الدراما وتسالي الصائمين، على المسلسلات الهابطة والبرامج المستفزة، على نشرات الأخبار وهي تحمل أرقام الضحايا في رفح القريبة من سيناء، وتلك التي تلملم أشلاء أيامها السوداء منذ السابع من أكتوبر وحتى الآن. طوفان الأقصى، كان طوفانًا في حده الأقصى، وكان سيلانًا للدماء في جرم مشهود، رغم ذلك هلل المهللون، وبكى المتباكون، وهتف الهاتفون، لبيك لبيك يا أقصى، وانتظر الأقصى رجع الصدى، لكن لم يلب أحد النداء، لم تتمخض الصحراء الشاسعة عن شاعر يبكي قتلانا، ولا معين ينتفض لإنقاذ جرحانا، ولا مؤمن مغيث لـ "ناقة الله وسقيانا". كل ما هنالك تغاضٍ متعمد، تفاعل لحظي بالخطب المسعورة والبيانات المحصورة، واللاءات المقصورة، كل ما هنالك انتظار الموت غير الرحيم ونتنياهو يهدد منذ أكثر من شهر باقتحام رفح بحثًا عن "السروان" وجماعته، عن قبلة الحياة المزعومة وسط مشاريع شهداء حتى آخر المدى، وحتى كل ما هو منتظر من الإخوة "الأصدقاء" شاحنات مساعدات وبعض الأغذية ومستلزمات الرعاية الصحية إنقاذًا لماء وجه أُريق عشرات المرات، ثم بعض الدعوات الصالحات من أبناء العم بمناسبة شهر رمضان الكريم. في أيامنا الخوالي عندما كانت للكلمة قيمتها، وللشاعر هيبته، وللسياسي دوره، والمثقف أثره، والعالم "هيلمانه" كتب الشاعر الفلسطيني الراحل توفيق زياد عن فلسطين تحت القصف في "رمضان كريم": "غدًا العيد.. فالأرض شذى ووعود.. والليلة صافية.. بستان نجوم.. وعباءة أحلام وسلام".


كان يتمنى سلامًا بعد سلام، وكلامًا قبل كلام، وعشرة عمر بعد صيام، لكن الموت لم يمهل توفيق زياد فرصة عمر أخرى كيما يتصدق بالباقي من أشعاره على أرواح الشهداء، فغادرنا ليترك لي شخصيًا وأهلنا في غزة يستقبلون "رمضان كريم" بالدموع، بـ "هلال الخوف" الذي تحدث قائلاً: "هلت أيامك أو ما هلت جئت إلينا متشحًا بسواد الربوة من أعلى منحدرٍ يتوسم فيك كل الخير وصيامًا مقبولاً ودعاءً منقولاً من آخر نصٍ مكتوبٍ بالحبر السري بالورد الغجري جئت أو ما جئت "فانوسك" باركه الأبناء حملوه بأصابع تأكلها اللهفة والإعياء غنوا فيه غنوا معنا رمضان جاء قبل ظهور البدر الأصغر في الأنحاء رشوا الملح على أفق منزوع الرحمة والأضواء يا ويلي من ظلم الجوقة والأعداء رمضان يا ولدي تصحبه اللهفة والأعباء تدركه الغارة تلو الغارة والدهماء البلدة تصرخ من هول الصفح المتخفي وبلاءً من بعد بلاء رحل الضوء الخافت من آخر شمعات البيت رحل الصوت المتجلي نحو هلال الخوف رحل اللوح المحفوظ من الأسماء".


كاتب بحريني والمستشار الإعلامي للجامعة الأهلية

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية