العدد 5606
الإثنين 19 فبراير 2024
banner
كمال الذيب
كمال الذيب
هامش حول التعليم والمستقبل (1)
الإثنين 19 فبراير 2024

مع الإقرار بأهمية دور التربية والتعليم في أي مكان في العالم في حياة المجتمعات، إلا أن تحميله مسؤولية كل شيء تقريبا ليس منطقيا ولا منصفا، ويعود ذلك إلى التجاهل شبه الكامل لحقيقة التحولات الاجتماعية والاقتصادية والاتصالية والعولمية التي قلصت جميعها تأثير التربية على الأجيال الجديدة التي تخضع لمؤثرات قاهرة وكاسحة متعددة المصادر. منها وسائل التواصل الاجتماعي التي أثرت بشكل عميق على قيم وسلوك ورؤى هذه الأجيال بعد أن تحولت إلى قوة كاسحة لا يمكن الوقوف في وجهها.
لكن الاهتمام المتصاعد بالتربية، يأتي من كونها ستبقى – رغم تلك التحولات - قوة الدفع الأساسية نحو تقدم المجتمعات ونمائها، وأن المطروح عليها اليوم العديد من المهمات التي تتجاوز بكثير الجدل الدائر حول سوق العمل، وإعداد الإنسان للمستقبل، كفرد ومواطن يعي حقوقه وواجباته ويتمثل مفردات التحول السياسي والاجتماعي من حوله وقضايا الانتماء ضمن سياق التنوع كمصدر ثراء للمجتمع والتفاعل معه بإيجابية، والتسلح بالمهارات والكفايات الحياتية والمعرفية والسلوكية التي تجعل الطالب قادراً على التحاور مع المجتمع، وابتداع سبل جديدة للعيش. ومن هنا فإن الدعوة النبيلة إلى (ربط التعليم بسوق العمل)، دعوة مشروعة، لكن إعادة توجيه التربية للتواؤم معها بشكل آلي مثلما يدعو البعض، يجب أن تكون محكومة بأعلى درجات الحكمة، إذ لا يمكن للعمل التربوي أن يُحصر في حدود خدمة سوق العمل، بل يجب أن يُنظر إليه على أنه (قضية) قائمة بذاتها تستدعي تحليلا وتركيبا يشمل مختلف الملابسات السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والاتصالية، فالتربية ليس بوسعها حل جميع قضايا المجتمع. كما لن يكون بوسعها فعل شيء لوقف هذا التيار العولمي الآخذ في الاتساع، لكنها تستطيع قطعاً فعل ما يكفل أن يمتلك الخريج المهارات الكافية للتعلم مدى الحياة، والمرونة الكافية لشغل أكثر من وظيفة والانتقال بيسر وسهولة، وامتلاك الرغبة الصادقة لخدمة المجتمع والدفاع عن مكتسباته، وامتلاك المؤهلات للصعود الاجتماعي، على أن يكون النظام الاجتماعي والقانوني والتربوي قادرا على جعل هذا الصعود محكوماً بالذكاء والكفاءة والجدارة، عبر تأصيل موازين العدل بين المتعلمين. وللحديث صلة.
* كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية