العدد 5604
السبت 17 فبراير 2024
banner
الميثاق الوطني.. جواز سفر ملكي انتقلت به البحرين إلى القرن الحادي والعشرين
السبت 17 فبراير 2024

 

قبل ثلاثة وعشرين عاما، وفي مثل هذا اليوم المبارك، كانت البحرين على موعد مع أول إجماع وطني في تاريخها الحديث، وكان الإجماع قرارا وطنيا بالمبايعة الثانية لحمد بن عيسى ملكا وقائدا ورائد مسيرة وصانع إصلاح، هو الأول من نوعه في التاريخ الحديث للمنطقة.
كانت خطوات جلالته الإصلاحية قد مهدت الطريق أمام هذا اليوم، ليكون "غرة أيام البحرين" كما وصفه العاهل المفدى في أول حديث لجلالته من سلسلة "أحاديث في الوعي الوطني"، واللحظة الأكثر مجدا في تاريخها الحديث.. فقد شكّل الإعلان عن ميثاق العمل الوطني نقطة تحّول مهمة في تاريخ مملكة البحرين المعاصر، بما مثله من بيعة للقائد من قبل أبناء شعبه وتجديد لشرعية الحكم، وما جسده من إجماع وطني غير مسبوق للوقوف وراء المشروع الإصلاحي لجلالة الملك، وهو المشروع الذي دخل بالبحرين حيز الدول العصرية في أسلوب الحكم، والدول الديمقراطية، وإلى عالم المجتمعات الحديثة في مجال المشاركة السياسية ومناخ الحريات، وإلى سلسلة متوالية من أدوات التمكين السياسي والاجتماعي والاقتصادي للمواطن البحريني والمجتمع والأمة على حد سواء، إلى غير ذلك من معطيات كثيرة ترتبت كلها على إقرار ميثاق العمل الوطني وتفعيل بنوده. وفي كلمته السامية التي دشن بها ميثاق العمل الوطني، وصف صاحب الجلالة تلك اللحظة بأنها "لحظة مجيدة في مسيرتنا المشرفة، ويوم أغر في تاريخ البحرين"، وفي حديث جلالته الأول من سلسلة "أحاديث في الوعي الوطني"، كتب الملك حمد بن عيسى آل خليفة عن "ذلك اليوم الربيعي من شهر فبراير" ـ يوم الاقتراع على الميثاق ـ: "إن صور ذلك اليوم ستبقى حية في وجداني.. بما مثلته من بيعة متجددة، وتفويض وطني لنا بقيادة المسيرة إلى آفاقها الجديدة".
في "ذلك اليوم الربيعي من شهر فبراير"، كانت البحرين قد اتخذت قرارها بأن تقف إلى جانب مليكها الواعد حمد بن عيسى آل خليفة، وهو يجدد تاريخها، ويستحضر أسباب عظمتها، ويفتح لها أبواب المستقبل المشرق، بكل آفاقه، وتحدياته، وآماله، ووعوده التي كانت أهدافا وطنية عتيدة في مخيلة ملك يحلم منذ الصبا بـ "وطن يحتضن أبناءه"؛ ووطن يتجسد صدرا حنونا لأهله.
أما الذاكرة الوطنية والرسمية، فتشتمل على الكثير من محاضر تلك الجلسات الحوارية واللقاءات الإنجازية التي قادها سمو ولي العهد باعتباره رئيسا للجنة تفعيل الميثاق. وهي جلسات ستبقى شفافيتها رمزا من رموز الفكر الوطني الحر، حين تتاح له الظروف والمعطيات كي يعبر عن نفسه من أجل حاضر البحرين ومستقبلها. لقد كانت لقاءات ثرية للغاية، وحوارات شفافة وصريحة، ابتعدت عن المماحكة السياسية، وهيمنت عليها روح الوطنية الصادقة، وعقلية العمل الجاد والمثمر في سبيل الوصول إلى تفاهمات وطنية راقية، تجمع كل الأطياف، وتخدم كل الفئات، وتعبر عن حقيقة الضمير الوطني حين يتجرد من تبعات الآيديولوجيا والأجندات السياسية الفئوية.
واليوم.. فربما لا يكفي فقط أن نستذكر تلك الحوارات الوطنية الهادفة وتلك الخطوات الملكية المباركة التي أفضت بنا وبالوطن إلى لحظة تاريخية حاسمة وقرار تاريخي حكيم، بل ينبغي لنا وعلينا جميعا أن نستعيد روح الميثاق ونستنهض فينا تلك الطموحات التي قادت إليه وتلك القلوب والعقول والإرادة الوطنية التي سعت لإنجازه وعملت على تركينه حدثا تاريخيا ماجدا وحالة وطنية متجددة وإجماعا ترتبت عليه استحقاقات كانت انطلاقات لنهضة بحرينية غير مسبوقة ووحدة وطنية حقيقية وضعت كل أطياف الأمة وقطاعات الشعب في صف واحد لإنجاز المشروع الإصلاحي الذي بشر به مليكنا وعملنا جميعا على إنجازه.. فشكل هذا التحالف مشهداً وطنيا حاسما ومعبرا عن طبيعة العلاقة بين القائد والشعب، تلك العلاقة التي فتحت كل الآفاق الممكنة أمام التطلعات الوطنية البحرينية وما تحقق فعلا على ارض الواقع البحريني كنتيجة حتمية لالتقاء الأمة وحوار الوطن واجتماع الأسرة الواحدة لترسيخ كيان الوطن الواحد.
من هنا، يمكن القول إن الميثاق الوطني كان جواز سفر ملكي للدخول بالبحرين إلى عالم القرن الحادي والعشرين بكل ما في ذلك من حداثة وعصرية ونهضة وتنمية.. ومن هنا فإن الاحتفال بذكرى الميثاق يمثل احتفالا بأصول النهضة البحرينية الحديثة التي قادها جلالة الملك المعظم لتنتقل بالبحرين من عهد الى عهد ومن عصر إلى عصر.. إنه العهد الزاهر الذي بشر به جلالة الملك منذ اللحظات الأولى لتسلمه مقاليد الحكم، وهو العهد الذي لا يزال زاهرا ومزدهرا وواعدا بالمزيد بعون الله وبثقة أبناء البحرين بقيادتهم والتفافهم حول راية مليكهم وقائدهم المحبوب.. وكل عام والوطن بخير، ومليكنا بخير، وشعبنا بخير، وميثاقنا بخير.

كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية