العدد 5581
الخميس 25 يناير 2024
banner
نموت.. قبل أن نموت!
الخميس 25 يناير 2024

الموت هو الحقيقة الوحيدة التي لا يمكن أن نكذبها، يأتي بغتة لنصحو من سُبات – البعض لا يصحو من ذاك السبات للأسف -، لندرك أننا قد أضعنا أياماً، وربما سنوات من أعمارنا لم نعشها مع أحبائنا، الذين لم نعرف مدى قيمتهم ومعزتهم إلا بعد أن أعُلن عن وفاتهم وكُتب نعيهم، في وقت لن ينفعنا فيه لا ندم ولا هم يحزنون. القطيعة، خصوصاً بين الأرحام موت مصغّر، موت من نوع آخر، ورغم أنها فراق إلا أنها ولحسن الحظ لها خط رجعة، فعندما تجد أن الابن وبالسنوات لم يزر والده، ولم يهاتفه، ولم يرسل له أية رسالة لا في مناسبة من المناسبات ولا حتى للاطمئنان - مجرد اطمئنان - عليه وعلى أحواله، فذلك هو الموت قبل أن يحين الأجل المكتوب على المرء.


إن كان الموت البيولوجي محتوما، لا يعرف حينه إلا الله الذي خلقنا، فإن الموت بالقطيعة والابتعاد عن أقرب أرحامنا خصوصا، وأحبائنا عموما بيدنا، ونحن وحدنا من قررنا فيه قطع آخر نفس له بيننا! البكاء والدموع، والحسرة بعد الموت البيولوجي لا تنفع، والوقوف على الجثامين طلباً السماح وإبراء الذمة لا يجدي، فمن لم يعرف قدرك ومعزتك وأنت تتنفس، لن يكون لأي من علامات الحزن والندم تلك أي معنى. فمن ابتعدت عنه وجفيته، وسببت له الكدر والحزن، وملأت عيونه بالدموع وربما أسكنت القهر في قلبه، ومات بكل تلك المشاعر الحزينة - لولا معزتك في قلبه لم يشعر بكل ذلك بابتعادك عنه - فأسفك على هجرانه وقطيعتك له، صدقني لن تبرئ ذمتك تجاهه بعد وفاته! والتي ستأتي في وقت لن تتوقعه. كل يوم جديد في حياتنا فرصة جديدة لمراجعة أنفسنا وربما محاسبتها. فرصة لإعادة الحسابات، فما يمر من أعمارنا لن تعود منه ثانية، وبالمثل لن تعود أعمار من قطعنا وصلهم لأسباب سنجدها يوماً أتفه وأحقر مما يمكن أن نتصور، ومؤسف أن تصل من لا يعزك، وتقطع وصلك عمن يتمنى لك الخير، ويتمنى وصلك، واخترت أنت هجرانه!


ياسمينة:
لا تكتبوا شهادات وفاة أحبائكم بأنفسكم.


* كاتبة بحرينية

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .