العدد 5563
الأحد 07 يناير 2024
banner
د. محمود الأنصاري
د. محمود  الأنصاري
تعديل أقساط التمويل العقاري الإسلامي: بين الجوانب الشرعية والمسؤولية الاجتماعية
الأحد 07 يناير 2024

قد يتساءل كثيرون في هذه الأيام، خاصة بعد قيام بعض المصارف الإسلامية بتعديل قيمة الأقساط للتمويلات العقارية، هل يُعتبر ما فعلته تلك المصارف جائزًا شرعًا؟ 
لفهم الأمور بشكل أفضل، يجب أولاً أن نلقي نظرة على طبيعة العقد الذي يربط بين العميل والمصارف الإسلامية، فيما يتعلق بالتمويلات العقارية؛ فعادةً ما تعتمد المصارف الإسلامية على عقود الإجارة المنتهية بالتمليك، وفي هذا السياق، يقوم المصرف بشراء العقار، وتحويل ملكيته إليه، وبذلك يكون المصرف هو المالك الفعلي للعقار، ثم يبرم المصرف عقد إجارة مع العميل، مع وعد بتمليك العقار له بوثيقة منفصلة عن عقد الإجارة، ويجب تجنب الإشارة إلى هذا الوعد كجزء لا يتجزأ من عقد الإجارة، وقد حدد المعيار الشرعي رقم: 9، الصادر عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات الإسلامية، طرقًا محددة لتمليك العقار للعميل، سواء كان ذلك عبر: وعد بالبيع بثمن رمزي، أو وعد بالهبة، أو عقد هبة مرتبط بشرط سداد الأقساط، وتُعرف هذه العملية بالإجارة المنتهية بالتمليك.
وبناءً على ما مضى؛ فإن طبيعة العقد من الناحية الفقهية هي عقد إجارة بين المصرف الإسلامي (المؤجر)، والعميل (المستأجر)، وينطبق على هذا العقد جميع الأحكام الفقهية المتعلقة بعقود الإجارة، ولا ينطبق عليها أحكام القرض؛ لأنها عقود إجارة، وليست عقود إقراض، وعلى الرغم من أن العقود التمويلية للمصارف الإسلامية تُطلق عليها بين أوساط عامة الناس بأنها قروض، إلا أن المسميات التي يطلقها الناس عامةً ليست لها أهمية؛ فالعبرة بالإطلاقات، والمسميات الشرعية التي جاء بها الشرع الحنيف. وبناءً على ذلك، يجوز للمصرف الإسلامي تعديل الأجرة الشهرية (القسط الشهري)، وقد نص المعيار الشرعي رقم: 9 على هذا الأمر؛ حيث يجوز باتفاق الطرفين تعديل أجرة الفترات المستقبلية، أي المدة التي لم يحصل فيها المستأجر على الانتفاع بالعين المؤجرة، من باب تجديد عقد الإجارة. وفي حالة الأجرة المتغيرة، يجب أن تكون الأجرة للفترة الأولى محددة بمبلغ معلوم، ويجوز في الفترات التالية استخدام مؤشر منضبط، ويشترط أن يكون هذا المؤشر مرتبطًا بمعيار معلوم لا مجال فيه للنزاع.
وعلى الرغم من جواز تعديل أقساط التمويلات العقارية شرعًا، إلا أنه يتوجب على المصارف، وبخاصة المصارف الإسلامية، تحمل مسؤوليتها الاجتماعية تجاه المجتمع؛ فعليها المساهمة في تخفيف حدة الغلاء، والفقر اللذين يعانيان منهما المجتمع البحريني، بدلاً من أن تكون سببًا في انتشار الفقر. كما يجب على المصارف إجراء دراسة للآثار الاجتماعية المترتبة عن تعديل قيمة الأقساط على الأفراد، والمجتمع، والتأكد من عدم تهميش فئاته، ويمكنها اعتماد استراتيجيات لتحقيق التوازن بين تحقيق الربح المستدام من جهة، وتوفير فرص لتحسين ظروف العيش لفئات المجتمع من جهة أخرى.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية