ما تشهده منطقة الشرق الأوسط من عنفٍ متصاعد، وعمليات حربية إسرائيلية على قطاع غزة، راح ضحيتها آلاف الأبرياء من المدنيين العزل، واستمرار التحريض من اليمين المتطرف ضد الفلسطينيين بهدف تهجيرهم من أرضهم، وتكريس سلطة أمر واقع، تحول دون قيام حل سياسي عادل، يقود إلى دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، كل هذا العنف المصاحب له خطابٌ عنصري، قادَ إلى أن تتصاعد وتيرة السرديات الهوياتية الضيقة، القائمة على أسس دينية – شعبوية، تدعي الاصطفاء، وتنبذ الآخر، وتعتقد أن التعايش بين الأديان والثقافات المختلفة أمرٌ مستحيل، ولذا، نلحظُ تنامي أفكار استئصالية لدى شريحة واسعة من الناس، تقود إلى صدامٍ حتمي، وكأن وجود طرف يتطلب إبادة الآخر!
الغرائزية، تسود في وقت الحروب والأزمات الكبرى، خصوصاً في الصراعات التي تتكئُ على الدين، وتسعى لأن تبرر عنفها المادي وتقدمه بوصفه دفاعاً عن الإله! لذا، يكون صوتُ الحكمة أقل تأثيراً، ويعودُ اليمين المتطرف من جهة والإسلامويون المتشددون من جهة أخرى لواجهة المشهد، متحكمين في غرائز قطاع واسع من الجماهير الغاضبة. من هنا، تأتي أهمية وراهنية التعاون بين المؤسسات والقيادات المعتدلة، البعيدة عن التطرف، والتي عليها مسؤولية ترسيخ قيم العدالة واحترام حقوق الإنسان والسلم الأهلي، وذلك من خلال استحضارِ قيمٍ إنسانية كبرى، كالتي أقرتها “وثيقة مكة المكرمة” الصادرة عن “رابطة العالم الإسلامي”، و”ميثاق حلف الفضول الجديد” الذي أطلقه “منتدى أبوظبي للسلم”. هاتانِ الوثيقتان بمثابة مرجعية أخلاقية – فكرية، ضمتا مبادئ عامة، تدين القتل والعنف والإرهاب، وتكرسُ المساواة بين البشر وحقهم الطبيعي في الحياة الآمنة الكريمة؛ كما أنهما نتاج عملِ سنواتٍ من الحوار والنقاشات العلمية الجادة بين شخصيات روحية ومدنية ومؤسساتٍ معنية بتعزيز قيم التعددية والتعايش بين الأديان والثقافات المختلفة. ربما يعتبرُ البعض استحضارَ “وثيقة مكة المكرمة” و”ميثاق حلف الفضول الجديد” في هذا الوقت العصيب، نوعاً من الترفِ الفكري، إلا أن ذلك أمرٌ غير صحيح، لأن هذه اللحظات المفصلية هي أوقاتٌ للتعقل والتريث والبصيرة، والبعد عن العواطف المشحونة بالكراهية، لذا، على الحكماء السعي لحقنِ الدماء، وكبحِ جماحِ الأصوليات أياً كان مصدرها!.
*كاتب وإعلامي سعودي