العدد 5514
الأحد 19 نوفمبر 2023
banner
البحث العلمي... مرة أخرى
الأحد 19 نوفمبر 2023

مرة أخرى يأتي الحديث ضروريًّا عن البحث العلمي، عن التوغل أكثر فأكثر لاكتشاف حقائق وجودية طالما استعصت علينا، هل يُعقل أن نجلس هكذا لنستقبل كل ما هو مؤثر في حياتنا، وأن كل ما نستقبله يأتي إلينا من الغرب... فقط من الغرب؟ وهل يُعقل أن كل ما يدهشنا أصبح ينعكس على مختلف مناحي حياتنا، وإذا ما دققنا في عجائبه سنجد أنها تهلّ علينا من الشرق؟
المشكلة أننا لم يكن لنا دور فيما يأتي إلينا من الغرب، ولا فيما يهلّ علينا من الشرق، وأننا رغم قدرتنا الفائقة على استهلاك التكنولوجيا الفائقة فإننا مازلنا لا نستطيع إنتاجها، وما زلنا فاشلين في توطينها، بل إننا ما زلنا معتمدين بشكل تام على الغرب في كل ما نستهلكه، وعلى الشرق في كل ما نحاول أن نضيف إلى فنوننا منه!!
يحدث ذلك ونحن نمتلك من التاريخ ما يكفي، ومن المقومات والإمكانات ما يغطي الحاجات، ومن الحاجات والضرورات ما يجعلنا في أمسّ الحاجة لتكنولوجيا وطنية صاعدة تمامًا مثلما تتوافر لدينا عقول شبابية متألقة.
فتّشت في الأسباب، في مربط الفرس الذي ضاع منذ المهد منا، فإذا بي أعثر عليه في البحث العلمي، في التوغل أكثر فأكثر فيما يمكن أن نطلق عليه بالضرورات غير المؤجلة، وفي الثروات المعطلة.
يقولون إنها الميزانيات التي لم تُرصد، وتلك التي لا تكفي... هنا يمكن أن نتحدث عن ضرورة تخصيص نسبة معقولة من الدخل القومي للبحث العلمي، ومن إجمالي حصيلة الأرباح المتحققة في المشاريع السيادية لتكون في خدمة البحوث العلمية.
إسرائيل التي تواجهنا بقلب من حديد وبقبَّة حديدية تخصص 4 % من ناتجها القومي للبحث العلمي، الدول المتقدمة الأخرى تخصص نسب متصاعدة من دخلها القومي ليغطي احتياجات البحث العلمي، المهم أن تكون النسبة واضحة وتفي بالاحتياجات.
صحيح أن الجامعات لابد وأن يكون لديها مراكز أبحاث معتبرة، ومعامل تجارب تتعاطى مع مختلف مشكلات المجتمع، لكن الصحيح أيضًا أن الدولة لابد وأن يكون لها دور في هذا المضمار الذي يصنع المستقبل، ويضعنا كأمة مشاركة في صناعة الحضارة وليست مستهلكة لها، هنا تكمن أهمية البحث العلمي، وضرورة إعادة توجيه بحوثنا العلمية لتكون في خدمة قضايانا المجتمعية، ومشكلاتنا الاقتصادية والفكرية والعلمية بل والوجودية.
لا يجب أن ننتظر الإعانات مدفوعة الأجر من الخارج لكي نكتشف أن الذكاء الاصطناعي سوف يحل مكان الإنسان، ولا أن نؤهل شبابنا لكي يتعلموا ماذا ستأتي به إحداثيات الزمن المقبل، ونحن لا نستطيع تخليق هذه الإحداثيات في معاملنا، وتكون لدينا الأسبقية.
الجامعة الأهلية على سبيل المثال، ومن خلال أكثر من كلية أهمها عمادة البحث العلمي وكلية تكنولوجيا المعلومات، تمكنت من أن تحتل بحوثها الصدارة في المراكز العلمية الدولية المتقدمة، بل وأن يكون لدينا أساتذة هم الأكثر بحثًا في العلوم بالمنطقة العربية كلها، وأن تكون بحوثنا العلمية المتقدمة منشورة في أعرق وأهم الدوريات المحكمة العالمية مثل “سكوبس” وغيرها.
هذا غيض من فيض، نسعى مثلما يسعى غيرنا لكي تكون لنا مكانة تحت شمس التقدم العلمي الهائل المتسارع في هذا الزمان، بل وأن تكون لدينا الشراكات الطبيعية مع زملائنا في الهم والمهنة لكي نقدم شيئًا ملموسًا للإنسانية، بل وأن نساهم بجدارة في كل إنجازات البشرية من أجل حفظ هذا الكون المريض مستقرًّا ومعافىً وقادرًا على الاستدامة.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .