العدد 5500
الأحد 05 نوفمبر 2023
banner
أيام من عمري!
الأحد 05 نوفمبر 2023

لم تكن مجرد ليلة قضيتها مع الأحبة في جمعية تاريخ وآثار البحرين مساء الأربعاء الماضي، بقدر ما كانت أيامًا عشتها بحلوها ومرّها، عنونتها بأيام من عمري، وبأحلام تحققت، وأخرى مازالت “تحت الإنشاء”، بمشاريع عمر كُتبت لها النجاة، وأخرى لم تصل إلى بر الأمان.


عندما طلب مني الأصدقاء في تلك الجمعية التي لها تاريخ ويرأسها صديق عزيز ومؤرخ أكنُّ له كل الاحترام والتقدير، هو الطبيب الكبير الدكتور عيسى أمين، عندما طلبوا مني أن أقضي معهم سهرة مشوار الحياة أكاديميًّا وإنسانيًّا، وافقت على الفور رغم أن الحديث عن السِّيَر الذاتية عندما تكون شديدة الخصوصية يحتاج دائمًا إلى تحضير طويل، وإلى بحث متعمق وممتد في الذاكرة حتى لا تفوتني محطات ينبغي التوقف عندها، ولحسن الطالع تزامنت هذه الدعوة وأنا أواصل الإعداد بل والاقتراب من خط النهاية لمؤلف جديد عنونته بـ”أيام من عمري”، وهو يتحدث عن تجربة حياة ومسيرة عُمر.


الحقيقة لم يكن عنوان الكتاب حاضرًا في ذهني وأنا أتوغل في ذاكرة لم تكن مستعدة للتقليب في أوراقها المهملة منذ زمن بعيد، زهاء عمر بأكمله، ومسيرة حياة بكل ما فيها من نجاحات وتحديات، بمعارك وانتصارات، بمحطات وملاحظات، وعندما تم توجيه الدعوة وجدت أن التزامن مزدوجًا ما بين كتابة تاريخ حياة تخصني، وأحداث مؤسفة لشعبنا في قطاع غزة، يا ترى، كيف أبدأ؟ ومن أي المعابر يمكن أن أتسلل للحقائق المجردة، للأحداث التي انتهت، وتلك التي ما زالت تحت الإعداد والتجهيز؟


هل أبدأ بالخاص، أم أفتح كتاب الذكريات مبتدِئًا بالأحداث السياسية على الساحة العربية؟ لم يكن أمامي بُدٌّ وأنا أمام هذا الجمع الغفير من مفكرين وباحثين وأساتذة جامعات ونواب ومسؤولين وزملاء إلا أن أدعو الجميع إلى الوقوف دقيقة حدادًا على شهدائنا في قطاع غزة، فلبَّى الحضور مشكورين الدعوة، وبدأت في حديث القلب والروح مع الحضور الكريم منذ نعومة أظفاري، وفي المهد من ولادتي في المنامة بالعام 1950 حتى اللحظة التي تحدثت فيها مع هذا الجمع الغفير من الأصدقاء والمحبين.


قلت الكثير عن المنامة ثم عن المحرق، عن أيام الدراسة، وعن حياة عائلتنا الأولى ما بين المدينتين العريقتين، عن ذكريات لا تُنسى مع أشخاص، عن تجارب خالدة مع أحداث خالدة، وعن محطات شامخة في مسيرة حياة متغيرة.


تحدثت زهاء الساعة عن نفسي وعن عائلتي، وأعوذ بالله إذا كان التوغل في الذاكرة يدفعني للحديث المستفيض عن الذات، فهذا والله العالم ما لا يمكن أن أنساق إليه حيث إن الآخر يشغلني أكثر من “الأنا” التي تفرض على صاحبها شيئًا من التكتم واحترامًا للخصوصية.


المداخلات التي أحببتها ولن أنساها، هي التي أدهشتني، وهي التي سأظل أتذكرها ما حييت، أن تقف سيدة وهي تتذكر مواقفي الخاصة معها كأستاذ شجّعها على مواصلة البحث وتلقي العلوم والاستمرار في الدراسة رغم ظروف الحياة الصعبة، وأن يقف زميل ويسألني عن كيفية مواجهة الاستعلاء الغربي علينا من خلال الصراع العربي الإسرائيلي - أي منذ 75 سنة - والتي أكدت مرارًا وتكرارًا أنها بالتعليم ثم التعليم، بالإضافة طبعًا إلى توافر الإرادة وعوامل أخرى كثيرة اختلطت في الملتقى مع أسئلة ثائرة من زملاء عمر وحكاياتهم عن أول المصير، وضربة البداية، وجمال اللحظات المثيرة في حياتنا الأكاديمية والعامة.


أسئلة ومداخلات، كانت في نظري وستظل مكسبي الكبير من “أيام من عمري”، شهادات على عصر قررتُ أن أضيفها إلى تلك الأيام، وكلي أمل بأن لا يطول الانتظار، فما أطول الليل، وما أقصرك يا نهار.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .