العدد 5499
السبت 04 نوفمبر 2023
banner
المال ليس كل شيء.. لكن كل شيء بالمال
السبت 04 نوفمبر 2023

عتمة المادة غشت أرواحنا النقية، حتى حجبت رؤيتنا للحق والباطل والخير والشر، وبتنا عبدة الدينار والدرهم، وما عاد رغيف الخبز يشبعنا، ولا كسوة العيد لعام تكفينا.

صرنا لا ننبهر بالقليل من الأشياء، وفقدت أشياؤنا زهوتها بالكثرة. نرغب في امتلاك كل شيء ونمل من كل ما نرغب.. ننغمس في حب المال، ونظنه مصدر الفرح، ولم نعد نؤمن بمقولة "المال ليس كل شيء"، استبدلناها بعقيدة جديدة "كل شيء بالمال"، فهل تقوض عهد القانعين وازدهر عصر المادة وحب الشهوات؟

"المال وسخ دنيا"، فلا يغرنك بريقه، ولا يكونن معول هدم يباعد بينك وبين أحبتك وذويك. ذلك الوسخ في عرف الطيبين الماضين بات عصب الحياة ومحركها وباعث الروح فيها ودافعا للجري واللهث وراءها جري الوحوش خلف طرائدها مهما كانت الطريقة، وأياً كان المصدر، خصوصا في ظل غلاء المعيشة وتفاقم الأزمات الاقتصادية التي شغلت الناس بالعمل والكسب وزيادة مصادر الرزق لتأمين أساسيات العيش، فهل أصبح المال غاية للحد الذي أعمى المرء عن سبب نشأته ودوره في هذا الوجود؟


لا أحد يقول بعدم أهمية المال في حياة الإنسان، وهو طعامه وكسوته ومسكنه ومهر زواجه وآلة زرعه وحصاده وسلاحه الذي يذود به عن نفسه وأهله ووطنه ودينه، لكن الانغماس في تحصيله وزيادته واعتباره المصدر الأول والأخير للسعادة والاستقرار لا ينسجم والحقيقة؛ فالمال الذي يشتري الدواء مهما غلا ثمنه، لا يجلب العافية من أمراض لا يرجى الشفاء منها، وإن وفر الفرش الوثيرة، فهو لا يوفر نوماً هانئا بالضرورة. إذا كان ذو المال وجيها بين الناس لماله وثروته وهيأت له وجاهته الحصول على ولاء من حوله، إلا أنها لا تسخر له قلوبهم ومحبتهم المخلصة.


السعادة التي يصنعها المال وقتية تزول بزواله، فهو ليس مصدر البهجة الوحيد. الزوجة الصالحة، الزوج الصالح، الأبناء البررة، الرزق الحلال المبارك وإن قل، محبة الناس، الرضا والقناعة، كل أولئك مصادر للسعادة والاكتفاء أكثر دواما واستمرارا ومصداقية من المال، الذي إن شغلنا به ألهانا عن ذكر الله، وإن كثرناه وكنزناه طال حسابنا ووقوفنا بين يدي الله تعالى.

كاتبة بحرينية

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .